باريس ــ بسّام الطيارة
تعيش الأوساط الفرنسية المتابعة للملف اللبناني حالاً من الترقب في انتظار اتضاح المعالم الأساسية لتوجهات فريق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ما يتعلق بلبنان. ويتركز الاهتمام على السفير الجديد المنتظر تعيينه خلال فترة وجيزة جداً في بيروت مكان السفير الحالي برنار إيمييه. ويبدو أن حظوظ سفير فرنسا في السنغال أندريه باران (مواليد ١٩٥٦) هي الأكبر والذي ستكون مهمته الرئيسية اعادة «ضبط الدبلوماسية بعد سنوات من تداخل الشيراكية فيها» وإبعادها عن السياسة المحلية.
ورغم تحفظ الدوائر الدبلوماسية فإن «بروفيل باران المهني» يناسب جداً المرحلة المقبلة، خصوصاً أنه خبر قضايا المنطقة خلال مروره في قسم «أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط» وتسلم منصب نائب مدير منطقة مصر والشرق الأدنى (من عام ٢٠٠٠ إلى عام ٢٠٠٣) قبل أن ينتقل بصفة مستشار تقني إلى الخلية الدبلوماسية في الإليزيه لعامين. وهو يحتل الآن منصب سفير فوق العادة ممثلاً أعلى لفرنسا في السنغال منذ عام ٢٠٠٥.
ومثله مثل جان كلود كوسران المبعوث الخاص الذي يزور لبنان حالياً للإعداد لـ«لقاء باريس» المنتظر في نهاية هذا الشهر، فهو تخرج من المعهد الوطني للإدارة قبل أن ينخرط في السلك الدبوماسي، ورغم عدم التثبت من إلمامه القوي باللغة العربية على جاري عادة السفراء الفرنسيين في العواصم العربية، فإن عمله سكرتيراً أول في سفارة الرباط (١٩٨٤ــــــ ١٩٨٧) قد يكون فتح له أبواب لغة الضاد قبل أن يلتحق بقسم الشرق الأدنى. كذلك من المنتظر أن يستفيد باران من خبرته في شؤون التعاون التي كسبها خلال عمله مديراً مساعداً في وزارة التعاون (١٩٩٣ــــــ١٩٩٥)، وهو ما يمكن أن يساعده في حال نجاح لقاء باريس في إعادة إحياء مسار الحوار الوطني، الأمر الذي يفتح الباب امام المساعدات التي تقررت خلال باريس ٣ وشبه المجمدة حالياً بسبب التوتر على الأرض اللبنانية.
وقد يفسر بروفيل السفير الجديد إذا تأكد تعيينه، دخول عمل السفارة الفرنسية في مرحلة «ما بعد السياسة» وحصر اهتماماتها اليومية في دعم إعادة الدورة الاقتصادية وضبط استعمال المساعدات في إطر شفافة، وترك الخطوط السياسية الكبرى لإدارة مباشرة من «مجلس الأمن الوطني» الذي قرر الإليزيه إنشاءه وينتظر أن يترأسه جان دافيد ليفيت تحت إشراف ساركوزي المباشر.
ويرى المراقبون أن تطبيق سياسة «الاستعمال التقني» لسفارات فرنسا في الخارج قد بدأت مع المهمة التي أوكلت إلى السفير فوق العادة «كوسران المستعرب» والذي كان سفيراً في مصر وسوريا ورئيس دائرة الشرق الأوسط قبل أن يصبح «رجل المهمات الصعبة»، إذ يذكر الجميع أنه كان مبعوث فرنسا إلى طهران في عز حرب تموز السنة الماضية، وهو من الذين كانوا يحثون الإليزيه على الضغط على تل أبيب لـ«إعلان قبول مبدأ التخلي عن مزارع شبعا» تسهيلاً لإيجاد حل لسلاح «حزب الله». ويقول البعض إن له فضلاً كبيراً في انفتاح باريس على طهران والذي بدأت نتائجه تظهر إلى العلن في ملفي لبنان والنووي الإيراني، بعدما زال التصلب الشيراكي. ويقول هؤلاء إن عمل كوسران مديراً لجهاز الأمن الخارجي يجعله مدركاً للعديد من أسرار الملفات المحيطة بالملف اللبناني، ويذكر البعض أن علاقاته السابقة مع شيراك لم تكن في أحسن حال، خصوصاً أن المقربين من شيراك اتهموه سابقاً بأنه كان وراء إخراج ملف حساب الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في اليابان و«علاقاته المالية مع بعض الدول ومنها لبنان» مثلما ذكرت صحيفة «لوموند» في عددها الصادر في ٢٢ حزيران عام ٢٠٠٢.