strong> غسان سعود
كان العرس مقرراً في 23 تموز المقبل، استعجلوا العرس أمس. حملوا العريس ورقصوا. نثروا الورود، هلّلوا. لم يعرف القتلة أن علي عريس، لم يهتموا لخطيبة كانت تنتظر عودته من الشمال لتقبّل جبينه وتخبره عن آخر تجهيزات العرس. أعادوه جثة مضرّجة بالدماء إلى أهله وخطيبته في بلدة جباع في النبطية.
وتتكرر أعراس الحزن على امتداد الوطن، فيصبح علي محمودي بطلاً في النبطية، ورامي صعب عريساً لكل أهل الشوف. حاله من حالة الياس البعيني في بعلبك وجرجس البيسري في طرابلس. فيما لا يعرف أهل عكار صوب أية بلدة يتوجهون إزاء اجتياح الموت لهم من كل الجهات. وحصيلتهم في السبت الدامي سبعة شبان لم يتجاوز سن معظمهم الثلاثين عاماً: عبد الله طالب وخالد سبسبي من ببنين، عبد الرحمن المصطفى من الشيخ زناد، حنا فاهمة من رحبة، ساري العلي من عيات وبسام أيوب من تلعباس الغربي.
فيما اخترق الناس أحراج الزيتون المحيطة ببلدة عدبل، واندفعوا صوب منزل ماجد جرجس الذي كثيراً ما سحرهم بابتسامته. وهو أسرّ لوالدته قبل مغادرته المنزل قبل بضعة أيام بعدم اعتقاده يوماً خلال السنوات الثلاث التي قضاها في الجيش أنه سيطلق الرصاص على إنسان. عبارة تكررها شقيقته وتضرب الأرض بقدميها، رافضة تصديق الخبر أو تقبل صورة شقيقها مأسوراً في نعش زجاجي، عابس على غير عادته، مكسور. وعبثاً تكرر والدته مناداته فتجيبها الجموع بالنحيب، الدموع، الورود وهو يصرّ على صمته، غير آبه بمجيء زملائه، واجتماعهم في باحة منزله كما اعتادوا أن يفعلوا في نهاية كل أسبوع. تمر دقائق مثقلة بنبش الناس لمشاهد تجمعهم والشهيد قبل أن يحمله أصدقاؤه ويرقصوا بنعشه بضع دقائق، ثم ليسلموه إلى أهله ويعودوا إلى الجبهة «لينتقموا له ولزملائهم الآخرين».
وفي انتظار الانتصار والخلاص من العصابة، يستسلم الناس للخوف على أبنائهم، وتتوتر أعصابهم. ويقضون وقتهم إما قرب الهاتف بانتظار اتصال الابن أو في باحة مستشفيات المنطقة ينتظرون سيارات الإسعاف ليتأكدوا من هوية المصاب. يكتشف كثيرون مهمة الجيش، والخطر المحدق بكل من يختار الانتماء إلى هذه المؤسسة. يتساءل بعضهم عن سبب موت أبنائهم، وكيفية وصول الأمور إلى هذه المرحلة. فيما يغيب السياسيون ونواب المنطقة عن المشهد، إلا أنه رغم الحزن والغضب وتوتر الأعصاب لا يتشكك أحد منهم بقرارات قيادة الجيش، ويصرّون على دعم المؤسسة بكل ما توفر. فيرسل أحد المخاتير شاحنة محمّلة «بأول قطفة تفاح» إلى منطقة العبدة ليضعها بتصرف العسكريين. ويعاند بعض الجنود عائلاتهم، مصرّين على العودة إلى الجبهة رغم إصابتهم بشظايا. هنا «الجيش كرامتنا». ولا يمكن أن نرضى بحل غير استعادته لهيبته كاملة، يقول العكاريون.