نهر البارد ـ نزيه الصديقطرابلس ـ عبد الكافي الصمد

علماء فلسطين يلمسون مرونة عند «فتح الإسلام» والعقدة اللبنانية تحتاج إلى جهود لحلّها

حفل مخيّم نهر البارد، يوم أمس، بتطورات أمنية مهمة، ساهمت في تصعيد الأوضاع وتوتّرها فيه، في موازاة الجهود التي كانت تبذل من أجل وضع حدّ للاشتباكات الدائرة.
وتمثل التطور العسكري من جانب الجيش اللبناني بقصفه بشكل عنيف ومركّز لمواقع حساسة تابعة للحركة داخل المخيم، وبشكل متواصل منذ الساعة العاشرة من قبل ظهر أمس، إثر محاولة تسلل جديدة للمسلحين في اتجاه النهر عند المدخل الجنوبي، إضافة إلى رد وحدات الجيش بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة على مرابض مدفعية الهاون والمواقع التي أقامها المسلحون في محيط مدارس «الأونروا» في المنطقة الغربية، ومركز «صامد» وسط المخيم إلى الجهة الشمالية ومركز «التعاونية»، حيث أدى إطلاق إحدى قذائف الهاون إلى سقوطها في صالون منزل الملازم في قوى الأمن الداخلي خالد عبد الجليل في بلدة العبدة الواقعة على تخوم المخيم من الجهة الشمالية، وانفجارها داخله من دون وقوع إصابات بشرية نظراً لوجود أفراد العائلة خارج المنزل وقت سقوط القذيفة. وأدى سقوط قذائف الهاون قرب الأوتوستراد الدولي، الذي يربط بين عكار وطرابلس، إلى إغلاقه ساعات عدة، بعدما كان سالكاً بحذر في ساعات الصباح الأولى.
وبعد عصر أمس، شن الجيش هجومين كبيرين على المخيم: الأول على محور العبدة ـــ الخان عند المدخل الشمالي، والثاني على محور المحمرة ـــ ناجي العلي عند المدخل الشرقي.
وعند المدخل الشمالي، استشهد بعد ظهر أمس مسعفان تابعان للصليب الأحمر اللبناني، هما: بولس معماري وهيثم سليمان، وأصيب آخر بجروح خطرة أثناء احتدام الاشتباكات، في مستشفى جوال تابع للصليب الأحمر يقع بين حاجز الجيش عند المدخل الشمالي من المخيم ومدرسة العبدة الزراعية، الأمر الذي أدى إلى وقف أعماله موقتاً.
وأجرى كل من رئيس الجمهورية العماد إميل لحود والرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري اتصالات هاتفية بعد ظهر أمس برئيس اللجنة الوطنية للصليب الأحمر اللبناني سامي الدحداح، واطلعوا منه على ظروف استشهاد المتطوعين، وقدموا التعازي بالمسعفين. ومساءً تم إجلاء 150 شخصاً من المخيم من النساء والشيوخ والأطفال إلى مخيم البداوي.
أما المدخل الجنوبي، الذي كان حتى يوم أمس الأكثر هدوءاً من بين كل مداخل المخيم، وكانت تخرج منه قوافل النازحين، وتدخل منه سيارات الإسعاف وشاحنات الإغاثة والمساعدات ووفود الوساطات، فقد شهد تطوراً بارزاً أمس، تمثل في تعرض عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ محمد الحاج إلى إصابة في أعلى فخذه إثر إطلاق النار عليه أثناء خروجه من المخيم. وفي التفاصيل، أنه أثناء خروج الشيخ الحاج بسيارته محملة بجثتين، اعترضه احد عناصر حركة فتح المدعو عدنان ربيع وطلب منه أن يخلي معه اثنين من المدنيين، لكن الحاج امتنع عن ذلك بناء على تعليمات صارمة من الجيش اللبناني، الأمر دفع ربيع إلى إطلاق النار عليه.
وفيما نقل الحاج إلى المستشفى الإسلامي الخيري في طرابلس لإجراء عملية جراحية له، رأى عضو الرابطة وإمام مسجد زمزم في مخيم البداوي الشيخ وليد أبو حيط أن التعرض للحاج «رسالة ممن يريد إفشال المبادرة من هنا أو هناك». ودانت حركة حماس الحادثة واعتبرتها «محاولة اغتيال»، ودعت إلى «محاسبة الجناة والى ضرورة استمرار الجهود السياسية لرابطة علماء فلسطين».
وكانت «رابطة علماء فلسطين» لا تزال مستمرة في جهودها برغم التعثر الذي أصاب مبادرة رئيس «جبهة العمل الإسلامي» الداعية فتحي يكن. واستعدّ وفد الرابطة في وقت متأخر من يوم أمس للدخول إلى المخيم، وتسلم ردّ الحركة على المقترحات والأفكار التي قدّمت بهدف وضع حد للاشتباكات الدائرة. وأمل على لسان الشيخ محمد الحاج، أحد أعضاء الوفد والرابطة، «قرب التوصل إلى نتيجة إيجابية، تنهي الأزمة وتعيد الاستقرار إلى المخيم وكلّ لبنان».
وقال الحاج لـ«الأخبار» إن «الوفد قدّم مقترحات لمن التقاه من مسؤولي حركة «فتح الإسلام» أثناء الزيارة الأخيرة للمخيم أول من أمس، وإننا في انتظار الردّ على هذه المقترحات من أجل نقلها إلى قيادة الجيش اللبناني»، مشيراً إلى أنّ «الحركة لمست وجود إيجابيات كثيرة في المبادرة».
إلا أنّ الحاج أشار إلى أنه لمس من مسؤولي الحركة الجدد وقادتها الذين التقاهم، وآخرهم شاهين شاهين، الذي «يبدو أنه مكلّف رسمياً من القيادة الجديدة في الحركة بالتفاوض معنا، أن الحركة لم تكن ترغب في الاشتباك مع الجيش اللبناني الذي تورط معنا في حرب لا تخدم أياً منا، وأن القيادة الجديدة في الحركة أبدت مرونة ملحوظة في التعامل مع المبادرة، وهذا ما يجعلنا نتفاءل في التوصل إلى حل قريب».
غير أن هذا التفاؤل بدّدته جهات سياسية متابعة لجهود الوساطات والمبادرات القائمة على الخطّين اللبناني والفلسطيني، عندما أشارت إلى أن «المعضلة الحقيقية موجودة في الجانب اللبناني، وأن حلها يستدعي جهوداً حثيثة لإخراجها من عنق الزجاجة».
وأوضحت هذه الجهات أن «الأطراف الفلسطينية كافة سحبت الغطاء عن حركة فتح الإسلام، وهي عبرت عن حرصها على الجيش اللبناني بشكل لا يقلّ عن حرصها على أمن المخيم وعودة النازحين، لأنها تدرك أبعاد ما يحصل»، إلا أنها تشير بالمقابل إلى «وجود عقدة مستعصية عند الجانب اللبناني تتمثل في أنه لا فريق مستعداً لتلقف كرة النار بيديه، وتحمّل أعباء إنهاء الأزمة وحده، نظراً لما يترتب على ذلك من تداعيات». وتشير هذه الجهات إلى أن «الحكومة والجيش ينتظر كل واحد منهما الآخر كي يتخذ هذا القرار الصعب، والذي يبدو أنه يزداد صعوبة مع كل يوم يمر، نظراً لما يرافقه من سقوط شهداء وجرحى في صفوف الجيش أو المدنيين».