باريس - بسّام الطيارة
دبلوماسي فرنسي يعلّق على إرجاء رئيس الحكومة لقاء كوسران: لو حضر ولش في الثانية ليلاً لاستقبله السنيورة بالبيجاما!

حتى منتصف يوم الاثنين الماضي، كانت الدبلوماسية الفرنسية ترى أنّ مبادرة الوزير برنار كوشنير بالدعوة الى حوار لبناني في باريس، «درة تاج» بداية عهد جديد لها. إلا أن الاستقبال الفاتر الذي لاقته المبادرة التي حملها جان كلود كوسران من فريق «الأكثرية»، صبّ مياهاً باردة على حماسة الدوائر الفرنسية، وسط تخوّف الإدارة الساركوزية من أن تنتهي بفشل ذريع ينعكس سلباً على مبادرات في ملفات أخرى مثل دارفور (حيث نجح كوشنير بانتزاع موافقة سودانية على نشر قوات دولية) وكوسوفو (حيث يطالب الرئيس نيكولا ساركوزي بإعطاء مهلة للتفاوض قبل تقرير استقلال الإقليم)، مما قد يحجّم من طموح الرئيس الجديد في حقل السياسة الخارجية.
وقد حوصر الناطق الرسمي باسم الخارجية جان باتيست ماتيي، خلال لقائه الصحافي الأسبوعي، بكمّ من الأسئلة عن ردّ فعل الفرقاء اللبنانيين على المبادرة، إلا أنه، باستثناء الإجابات المعهودة التي تكرّر موقف فرنسا من «أن هدفها هو تسهيل إعادة مسيرة الحوار الوطني»، رأى أن ردود فعل الفرقاء كانت «إيجابية» عموماً، رغم اعترافه بأن «التقارير لم تصل بعد».
وجواباً عن سؤال لـ«الأخبار» حول سبب تأجيل لقاء كوسران برئيس الحكومة فؤاد السنيورة رغم وجوده منذ يومين في لبنان، قال إن السبب يعود إلى «أجندة مثقلة بالمواعيد»، وفُهم أن الأجندة المقصودة هي أجندة السنيورة. الا أن مصادر قريبة من الملف اللبناني أشارت إلى «انزعاج كبير» من تعامل الجهات الحكومية مع مهمة كوسران. ولم يتردّد دبلوماسي على علاقة وثيقة بهذا الملف في وصف تأخير لقاء السنيورة بكوسران ليومين بالقول «لو أن دافيد ولش حضر الثانية ليلاً لاستقبله السنيورة بالبيجاما».
لكن ذلك لم يمنع باريس من محاولة ترطيب الأجواء منعاً لـ«إجهاض المبادرة وإفشال اللقاء قبل أن يحصل»، فلوحظ أن الناطق الرسمي شدّد على أن الدعوة موجّهة «إلى القوى السياسية الممثلة في البرلمان» ورفض تحديد ما تشير إليه عبارة «ممثلي المجتمع المدني». غير أن مصادر مطّلعة أكدت لـ«الأخبار» أن صيغة «المجتمع المدني» جُعلت فضفاضة عمداً «لاستيعاب المعارضة غير الممثلة في المجلس». ولم يتردد مصدر من ذكر الوزير السابق سليمان فرنجية، على سبيل المثال.
وشدّد ماتيي على أن القوى الإقليمية لن تُدعى إلى اللقاء الذي لن يكون مؤتمراً دولياً، مما رأى فيه المراقبون محاولة لتليين موقف الأكثرية التي يتّفق المراقبون على أنها تعامل المبادرة بـ «فتور مجفل». ولا يتردد بعضهم بالإشارة الى «أصابع لبنانية موجودة في باريس» وراء محاولة إحباط المبادرة عبر بعث «استيضاحات ملونة بازدراء» إلى الدوائر المعنية مع عبارات «تشوبها الأبوية المتعالية» من نوع «فليحضر الجميع إلى باريس. لمَ لا!». وقد سبّب هذا التصرف إرباكاً في الأوساط المتعاملة مع الملف اللبناني، ولم يتردد أحد القيمين على هذا الملف في القول «لقد كشف البعض أقنعتهم» ووصف آخر الجو بأنه «جو صدمة حقيقية».
وتتساءل الدوائر الدبلوماسية عن سبب هذا الموقف، مبررة المبادرة الفرنسية بـ«خوف فرنسي حقيقي من حلول شهر أيلول من دون حل» مما يُدخل لبنان في «نفق مظلم».
وإجابة عن إشارة البعض إلى الموقف الأميركي من المبادرة، تؤكد مصادر «أن الأميركيين كانوا قد وُضعوا في جو المبادرة» ولم يعترضوا من حيث المبدأ.
وعلمت «الأخبار» من مصادر موثوق بها أن رئيس دائرة الشرق الأوسط جان فيليكس باغانون اجتمع بولش قبل إطلاق المبادرة، كما أكد ماتيي، أمس، أن باريس أطلعت واشنطن والرياض وعواصم أخرى على المبادرة، «وشرحنا الفكرة التي يحملها هذا اللقاء».
ويتساءل بعضهم عما إذا كان الانزعاج الأميركي مردّه «توقيت المبادرة أم شكل الدعوة؟» وهل جاءت بشكل يخالف «أجندة أميركية معينة» للمنطقة؟ علماً أن نيكولاس برنز، الرجل الثالث في الخارجية الأميركية، سيكون اليوم في باريس لمناقشة مجموعة ملفات ومن ضمنها الملف اللبناني بطبيعة الحال.
ويلاحظ المراقبون أن بعض الأوساط اللبنانية المقرّبة من الأكثرية التي بادرت إلى التهكّم على فكرة اللقاء في باريس، بدأت تروّج روايات عن «خطأ ساركوزي وقلة خبرته». ويعتقد هؤلاء بأن وراء كل هذا «أصابع شيراك» الذي، بحسب مسؤولين عن الملف اللبناني، «ما زال قادراً على الأذيّة» وخصوصاً أن جهاز المستشارين الدبلوماسيين الجدد للعهد الجديد لم يكتمل ولا تزال فيه الكثير من العناصر الشيراكية. إلا أن هؤلاء يحذرون من «اللعب كثيراً بذيل الأسد ساركوزي» قائلين إنه أثبت «أنه لا ينسى أبداً» من يسيء إليه، وأنه ما زال في بداية عهده.
ويصف دبلوماسي مقرّب من الملف اللبناني موقف الأكثرية من المبادرة بأنه إذا لم يكن «تحت تأثير أميركي» فهو يعود إلى ما تعتبره الأكثرية «ربحاً قطفته المعارضة قبل بداية اللقاء بمجرد الانفتاح عليها من جانب باريس والتحدّث إلى حزب الله واستقبال (العماد ميشال) عون»، لكنه يرى بما يشبه «النصيحة» أن من الأفضل للأكثرية «ألّا تعادي ساركوزي وتُفشله من بداية الطريق»، فهو يملك العديد من الأوراق التي يمكنه استعمالها منعاً لإراقة ماء الوجه في أولى خطواته الدبلوماسية.