أنطون سعد
إقحام سوريا في الأحداث الدامية في مخيم نهر البارد واتهامها بالوقوف وراء كل المجموعات الإرهابية على كامل الأراضي اللبنانية، مسألة على جانب كبير من الأهمية في هذا الظرف بالذات. وبصرف النظر عن حجم مسؤولية دمشق عما يجري، ثمة مصلحة كبيرة للجميع في تصويرها ممسكة بجميع خيوط التفجير الأمني والسياسي الحاصل في لبنان. وحجم المسؤولية بالمناسبة غير صغير، إذا أخذ المراقبون في الاعتبار، على الأقل، حركة أعضاء التيارات السلفية عبر الحدود اللبنانية ــ السورية، وموقف التنظيمات الفلسطينية التي لها مكاتب في دمشق مما يجري، وإحجام القيادتين السياسية والعسكرية في سوريا عن اتخاذ تدابير ومواقف علنية على مستوى دعم الجيش أو تقديم المساعدات اللوجستية له والتي يبدو أنه في حاجة ماسة إليها أو على مستوى المعلومات الاستخباراتية للجيش اللبناني الذي لا يزال يعتبر نظيره السوري حليفاً له. ولدى استعراض مصالح الأطراف من اتهام سوريا يبدو التالي:
ــ لتيار «المستقبل»، ممثل السنّة الأول في لبنان والناطق باسمهم، مصلحة كبيرة في ذلك لأن تبرير حرب شرسة ضد إرهابيين تابعين للنظام السوري الذي يتهمه علناً باغتيال زعيم السنة التاريخي الرئيس رفيق الحريري وباستهداف أهل السنة خلال ثلاثة عقود، أكثر سهولة عليه من تبريرها ضد العدو الآخر المسمى «القاعدة»، والتطرف الأصولي ذي الطابع الهيولي غير الواضح المعالم، وفي منطقة قريبة من عكار والضنية المتعاطفتين إلى حد ما مع التيارات السلفية التي تدعو إلى العودة الأصول الدينية والالتزام بالشريعة الإسلامية. وقد يرى البعض أن لتيار «المستقبل» مصلحة في تصوير ما يجري في الشمال على أنه مواجهة ضد الأصولية لأن شأن ذلك أن يعزز وضع الأحزاب المسيحية التي يتحالف معها على حساب الأحزاب المتحالفة مع المعارضة، وأن يشد من أواصر تحالفه مع الدروز، وأن يفتح الباب أمام التقارب مع الشيعة المستهدفين من التيارات التكفيرية أكثر من «أهل الكتاب». غير أن الفائدة المرتجاة من هذا الأمر هي دون ما يعفيها من التشكيك بها من القواعد الإسلامية، رأسمالها الأساسي، في لبنان وسائر الدول العربية.
ــ للدروز مصلحة أيضاً في اتهام سوريا بغية عدم إضعاف الفريق الإسلامي السني الذي يراهنون عليه لمصلحة الفريق السني الذي يعتبرهم «دون النصارى» مرتبة بالنسبة إلى المسلمين. وبما أن لهم مصلحة كبيرة في بقاء الجيش موحداً وقوياً، فمن الطبيعي أن يعتبروا أن اتهام سوريا من شأنه أن يزيل كل التباس قد يكون له تأثير، ولو محدود، على وحدة الجيش.
ــ من مصلحة الشيعة أيضاً أن تتُهم دمشق بتحريك «فتح الإسلام»، لأن تصوير الأحداث الجارية في الشمال على أنها تستهدف ضرب الأصولية السنية سيعيد إلى السطح الكلام عن صوابية نزع سلاح هذه المجموعات في حين يحتفظ «حزب الله»، المتهم بأنه رمز الأصولية الشيعية في لبنان، بكامل ترسانته. ناهيك عن أن سقوط تيار «المستقبل» سياسياً وشعبياً، على سبيل الافتراض، سيؤدي حكماً إلى تعويم القوى الأصولية السنية التي رأيها معروف بالشيعة على وجه الإجمال.
ــ للمسيحيين أيضاً مصلحة كبيرة في اتهام سوريا لأنهم يدفعون ثمن كل تأثير سلبي على وحدة الجيش باعتبار أنهم غير مسلحين أبداً بعدما جرى انتزاع حتى السلاح الفردي من القواعد الحزبية المسيحية من جانب الأجهزة الأمنية أيام الهيمنة السورية. أما الاعتبار الأهم فهو أن وحدة الجيش وصموده تعنيان لهم الكثير على مستوى منطق سيادة الدولة على كل أراضيها الذي يضعونه في المرتبة الأولى من سلم أولويات الثوابت الوطنية. إضافة إلى ذلك، من الأفضل لهم، على مستوى الأمل في المستقبل، أن تبقى سوريا التي اختبروها وخاصموها ويعرفون قدراتها، في نظرهم هي المسؤولة عن عدم الاستقرار، لأن اتهام الأصوليين سيزيد من قلقهم وهجرتهم.
وإذا كان من البديهي القول إن اتهام سوريا يلائم الجيش اللبناني، أيضاً، فيمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك والقول إن اتهام دمشق بالوقوف وراء مسلحي «فتح الإسلام» يناسب، في بعض الأوجه، سوريا نفسها. إذ إن ذلك لن يزيد من سوء العلاقات مع اللبنانيين لأنها بالأصل سيئة، ومن ضغوط المجتمع الدولي عليها لأنه منذ ثلاثين سنة يتهمها بإيواء الإرهاب ودعمه وليس فقط ابتداء من احتلال العراق أخيراً، بل قد يقنع الولايات المتحدة وبعض الأسرة الدولية بضرورة التفاهم معها.