عرفات حجازي
عقبات أساسية تعترض التوسيع: مصير القرارات المتخذة في الحكومة، توازن التمثيل المسيحي، وتوزيع الحقائب

يصعب الجزم بأننا أصبحنا على مشارف قرار بتوسيع الحكومة، كما يصعب تصديق المعلومات التي راجت عن مسودة اتفاق قد وُضعت، وينتظر الإعلان عنها توافق الفرقاء على بعض التفاصيل، وأن تظهير الصورة هو مسألة وقت لم يعد بعيداً. فالمتابعون لسير الوساطة يرون أن من السابق لأوانه الحديث عن صيغ جاهزة متفق عليها. ففريق 14 آذار يحتاج إلى مزيد من الوقت للنقاش في تداعيات توسيع الحكومة واتخاذ القرار الذي يحافظ على تماسكه، ولا سيما في ضوء المواقف المتباينة التي اتخذها أركانه من مسألة توسيع الحكومة. ولم يعد سراً أن هناك أكثر من وجهة نظر في مقاربة هذا التوسيع، فرئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط لا يرى الوقت مناسباً لهذا الطرح، ويعطي الأولوية لدعم الجيش في معركته ضد «فتح الاسلام». ورغم اقراره بالحاجة الى معالجة الوضع الحكومي، فإن توسيع الحكومة، اذا حصل، لا يتعارض مع طلب الحد الأدنى من الضمانات التي تحصّنها ولا تضعها تحت رحمة التعطيل واسقاط الانتخابات الرئاسية. وبهذا الموقف، يقترب جنبلاط من طرح قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي يعطي الأولوية للرئاسة.
ومع ذلك لا يمانع جنبلاط بتوسيع الحكومة، وفقاً لشرطَي التفاهم المسبق على بعض النقاط الجوهرية لئلا تتحول إلى «حكومة شلل وطني»، وأن يسبق تشكيلها انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وخلافاً لما يبديه الثنائي جنبلاط ــ جعجع من تصلب في مقاربة الوضع الحكومي، فإن المعارضة على اقتناع بأن رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري تجاوز حليفيه في سياسة مد اليد وفتح صفحة جديدة. فهو بعد إقرار المحكمة الدولية مدرك للحاجة إلى التعامل بإيجابية مع الطرف الآخر وأنه لا يمكنه البقاء في الموقع نفسه الذي كان فيه قبل إقرار المحكمة، ولاقتناعه بأن الأمور باتت الآن أكثر سهولة في التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة الداخلية.
وإزاء هذه المواقف المعلنة من أقطاب الموالاة، تحار المعارضة مع أي فريق ستتحاور وعلى طروحات من سترد، فهم يقولون كلاماً سرعان ما يناقضونه، ويعيشون أزمة داخلية تترجم في تصريحاتهم المتباينة، في حين أن ما تريده المعارضة يتلخص بأمرين: الإعلان بدون مواربة على القبول بالتغيير الحكومي وضمان مشاركة حقيقية وفعالة، والثاني تثبيت البيان الوزاري الذي نالت الحكومة الثقة على أساسه والذي يشكل نقطة تقاطع تمثل الثوابت الوطنية. كما تؤكد المعارضة بلسان أقطابها رفضها لمقايضة حكومة الشراكة الوطنية باستحقاق رئاسة الجمهورية، وأن من حقها هي أن تطالب بضمانات وليس العكس.
ومع أن التباعد في المواقف والرؤى واضح بين فريقي الموالاة والمعارضة، إلا أنهما يتعاطيان بإيجابية مع المساعي السعودية الإيرانية ــ الفرنسية مع إبدائهما قدراً من الحذر والشكوك إزاء فرص الحل نظراً لحجم التعقيدات وافتراق المصالح والحسابات. ويلخص مرجع سياسي متابع لحركة الوساطة أبرز العقد التي تعترض تغيير الوضع الحكومي بالنقاط التالية:
أولاً: إصرار المعارضة على إعادة النظر بكل القرارات التي اتخذتها الحكومة، فيما تصر الأكثرية على تثبيتها في أول جلسة لمجلس الوزراء بعد عملية التوسيع.
ثانياً: توزيع الحقائب الذي سيدور حوله سجال صعب عن توازن التمثيل المسيحي وإيجاد المخارج اللائقة لأوضاع الوزراء المسيحيين الذين غادروا مواقعهم السياسية السابقة.
ثالثاً: مسألة توقيع رئيس الجمهورية على المراسيم، حيث يعترض على بقاء وزير العدل داخل الحكومة.
رابعاً: معالجة حساسية بعض الحقائب السيادية، حيث يطالب تكتل العماد ميشال عون بإسناد احداها إليه، هذا اذا نحّينا جانباً مسألة الضمانات التي تطالب بها الأكثرية حول اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وعدم اسقاط
الحكومة.
هذه التعقيدات التي تقفل الأفق أمام الحلول والتسويات استدعت المباشرة بحركة لافتة عربية وإقليمية ودولية. فعلى إيقاع تغيير بدأت بوادره بالظهور في الأسلوب وفي الانفتاح على المعارضة، دخلت فرنسا على خط الأزمة وأدخلت تعديلات على الأجندة اللبنانية، فقررت استضافة مؤتمر حوار لبناني نهاية الشهر الجاري. وحرصاً منها على نجاح خطوتها وضعت الدول الأوروبية في صورة تحركها، كما أخذت بالاعتبار استمرار التواصل مع إيران وسوريا والسعودية كما مع الولايات المتحدة نظراً لما لهذه الدول من نفوذ وتقاطع مصالح على ساحة لبنان. الدبلوماسية الفرنسية عمدت منذ تحرك مبعوثها السفير جان كلود كوسران إلى خفض سقف طموحاتها من طاولة الحوار، وقالت بوضوح إنها لا تمتلك مبادرة للحل وليس لديها أفكار ستطرحها على المؤتمرين، لكنها ترغب في إعادة إطلاق عجلة الحوار بدلاً من القطيعة بين الفرقاء وأن يصار إلى ترميم جسور الثقة وكسر جليد العلاقة في ما بينهم وفي إنتاج مناخات إيجابية تهيئ لتسويات في ما بعد. وتأمل فرنسا أن تنسق مع السعودية ومع إيران وسوريا بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة مبادرة محددة تخرج الوضع اللبناني من أزماته وانقساماته الحادة وتعّبد الطريق لاجتياز مرحلة
الاستحقاق.