نهر البارد ــ نزيه الصديق
تتوجه البقية الباقية من أبناء مخيم نهر البارد إلى خارجه تحضيراً لإبادة معقل أساسي من معاقل ذاكرة النكبة الفلسطينية. ويكفي أن يعلن مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المخيّم أبو جابر عدم جدوى البقاء، ليدرك من يعنيه الأمر حجم مأساة الفلسطيني بعد أسابيع من المعارك في المخيّم. فأبو جابر يعبّر في مخيم نهر البارد عن ضمير القضية مثلما عبّر عنها على الدوام قائد جبهته جورج حبش. ولطالما قال أبو جابر إنه لن يغادر المخيم، وسيبقى مع شعبه حتى النهاية، لكنه يقول اليوم إن بقاء الناس انتحار وسط الركام، وتحت القصف المركّز الذي يطاول البيوت حيث لا مسلحين.
مائة وسبعون انضموا إلى قافلة النازحين في عملية ابتدأت نحو الثانية بعد الظهر استمرّت حتى الخامسة. أطفال ونساء وعجزة زائغة عيونهم نعساً وضياعاً. الأيدي مرتجفة خوفاً وتوتراً، والأعصاب منهكة، فالمعيشة مستحيلة في الداخل، قالتها باكية إحدى النازحات، والنوم ممنوع، ومنذ أسبوع لم يبق في المخيّم لا مأكل ولا مياه، كما قصفنا بقنابل تترك رغوة في موقع سقوطها، وتسبب سعالاً حاداً وتقيؤاً على نطاق واسع. البقية من الصامدين لا تتجاوز ثلاثة آلاف، منهم من قال إنّه سيموت في المخيّم ولن يغادر. رافقت النازحين جثتان قضتا تحت القصف. وخلال العملية مرّت شاحنة الريو تقلّ نحواً من عشرين شابا قيد التحقيق.
ومن أبرز نتائج المعركة أمس، سقوط نقيب وجندي من الجيش اللبناني، وإصابة المواطن يوسف محمّد قشوع برصاصة طائشة متفجرة غريبة المصدر، سقطت على مقربة منه أثناء عبوره على أوتوستراد المنية، فنقل إلى مستشفى الخير للمعالجة. وقد سبق أن سقطت رشقات من النوع ذاته مساء أول من أمس، أدت إلى إصابة عابر للطريق برجله.
ونعت مديرية التوجيه في قيادة الجيش كلاً من «النقيب الشهيد خالد فؤاد مرشاد والرقيب أول الشهيد جان جرجس الياس، اللذين استشهدا اثناء قيامهما بواجبهما العسكري في مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشمال». وأعلنت المديرية أن جثمان النقيب مرشاد سينقل عند الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم من المستشفى العسكري المركزي، ويسجى في موقف بلدة نيحا ـــــ الشوف، ثم تقام الصلاة لراحة نفسه غداً في موقف البلدة المذكورة، وطوال أيام الأسبوع في منزل والده الشيخ فؤاد مرشاد في البلدة المذكورة الحارة ـــــ الفوقا. أما الرقيب أول الشهيد الياس فقد شيع أمس في كنيسة مار شينا الرعائية في حردين ـــــ البترون. وتقبل التعازي اليوم وغداً في منزل والد الشهيد في البلدة المذكورة.
أما البارز أمس فكان تقديم جمعية المصارف مبلغ مليوني دولار أميركي، بموجب شك، لخزينة الجيش، بغية تأمين احتياجات العسكريين في هذه الظروف الصعبة، وذلك خلال لقاء وفد من الجمعية مع قائد الجيش العماد ميشال سليمان. وكان سليمان قد تفقد أمس العسكريين الجرحى حيث اطلع على أوضاعهم الصحية وحاجاتهم وتمنى لهم الشفاء العاجل.