البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد
ما أن يطأ أيّ مسؤول بقدميه أرض مخيم البدّاوي، حتى ترتفع في وجهه صيحات النازحين من مخيم نهر البارد، وخصوصاً النساء اللواتي يطالبن بأمر واحد: «نريد العودة إلى منازلنا».
عبثاً يحاول أي زائر تهدئة خواطر من فقد بيته ومحله وسيارته، أو خسر عزيزاً من أهله، إذ «ليس من يأكل العصي كمن يعدها»، و«الذي قدمه في المياه ليس مثل من كانت قدمه في النار»، على حد قول أبو راجي الذي تهدم محله الذي كان يملكه لبيع الخضر والفواكه في مخيم نهر البارد بالكامل، وتحول إلى بائع جوال عبر شاحنته الصغيرة «بيك ـــــ أب»، التي «استطعت جلبها من هناك بعد خروجي وعائلتي من المخيم بأيام قليلة».
إلا أنّ مشكلة أبو راجي لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل إنّ تجواله بشاحنته خارج المخيم لكسب الرزق دونه مخاطر جمّة، أبرزها الإجراءات الأمنية التي تتخذها القوى الأمنية من تفتيش وتوقيف، الأمر الذي يجعل الكثير من أمثاله يفضلون البقاء في المخيم إلى حين انجلاء غمامة الأزمة. إلا أنّ البقاء في المخيم «يعني أنّك لن تبيع شيئاً، فالنازحون يحتاجون إلى من يُقدّم لهم المعونات أصلاً، وأهالي مخيّم البدّاوي باتوا بلا عمل، بعدما فضّلوا البقاء معنا داخل المخيّم للسبب ذاته».
هذه المشكلة المعيشية الخانقة التي تمثّل حالة فردية نموذجية، لا تكاد تقارن بمن أتى إلى مخيّم البدّاوي وهو لا يملك إلا ما على جسده من ثياب، ما يضطره وأفراد عائلته إلى الاستعانة بما تقدمه وكالة غوث النازحين «الأونروا» والمؤسسات الخيرية والإنسانية، من خدمات وتقديمات، إلا أنّ كلّ ذلك يبقى «شحادة بشحادة»، وهي عبارة لا ينفكّ أيّ زائر يسمعها على ألسنة النازحين والمقيمين معاً، الذين يقيمون جنباً إلى جنب في مربع لا تزيد مساحته على كيلومتر مربع واحد، ما يجعله بامتياز المكان الأكثر كثافة بالسكان في لبنان، إن لم يكن في العالم.
غير أنّ وجهة نظر المعنيين بالموضوع تختلف عن الذين يأتون من الخارج، فـ«نحن نعرف أوجاعنا أكثر من غيرنا، ونعرف الدواء المناسب لها»، يقول أمين سرّ «لجنة حقّ العودة للشعب الفلسطيني» في لبنان يوسف حمدان، الذي وجّه عبر «الأخبار» نداء إلى مؤسسة «اليونيسيف»، طالبها فيه بدعم المتطوعين الفلسطينيين في مخيم البدّاوي من الناحية المادية، مشيراً إلى أنّهم «منذ اندلاع الأزمة وهم يقومون بعمل تطوعي مع كل المؤسسات، وأنّ مساعدتهم باتت حاجة ملحة وضرورية، بعد بروز أزمة معيشية حادة داخل مخيم البدّاوي».
على صعيد متصل، أوضح مسؤول «الهيئة العليا للإغاثة» في الشمال مازن درنيقة أنّ الهيئة «وزّعت على النازحين منذ بداية الأزمة نحو 25 آلاف حصّة غذائية، معظمها تمّ تمويله من موازنة الهيئة الخاصة»، مشيراً إلى أنّ 20 طناً من المساعدات مقدمة من مصر تسلمتها الهيئة أخيراً، وستقوم بتوزيعها على النازحين في غضون الأيام القليلة المقبلة.
في موازاة ذلك، شرعت بلدية البدّاوي ومسؤولو «مدرسة لقمان» الرسمية في البلدة، في تجهيز المدرسة بما يلزم من أجل استقبال نحو 250 نازحاً كانوا قد خرجوا عصر أمس من مخيم نهر البارد، مستغلين فترة الهدوء النسبي التي سادت عند المدخل الجنوبي من المخيم لساعات.