strong>عمر نشابة
استشهد النائب وليد عيدو ونجله خالد إضافة الى ثمانية أشخاص أول من أمس، إثر انفجار عبوة ناسفة في منطقة المنارة. وانطلق التحقيق منذ اللحظات الاولى التي تلت الانفجار، لكن هل مقبول أن يستمرّ فقر المهنية وضعف الاحتراف مسيطرين على التحقيق؟

  • بعد الهجوم الإرهابي الـ 22 ما زالت التحقيقات الجنائية تخالف المعايير العلمية


  • حضرت أول من أمس الى مسرح الجريمة في منطقة المنارة أعداد كبيرة من العناصر الأمنية والعسكرية والضابطة العدلية. وتبيّن لاحقاً أن سبعة أجهزة أمنية قامت بتحقيقات جنائية في المكان، وهي أمن الدولة ومخابرات الجيش وفرع المعلومات والمباحث العلمية والمباحث الجنائية الخاصة والمباحث الجنائية المركزية ومكتب مكافحة الإرهاب في الشرطة القضائية. كما شوهدت أمس في مسرح الجريمة عناصر من هذه الأجهزة تنقل بقايا سيارات وعينات من تربة مسرح الجريمة.
    ولوحظ أن عمل المحققين في كلّ الأجهزة تنقصه المهنية بحسب المعايير الدولية. والمشهد الأول الذي يمكن المواطنين أن يلاحظوه هو العدد الكبير من الأجهزة التي يبدو أنها تعمل دون تنسيق في ما بينها، مع أنها من المفترض أن تعمل بإشراف مرجع موحّد هو قاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر.
    إن النقص في احتراف أجهزة التحقيق يبدو جلياً من خلال عمل تلك الأجهزة في المجالات الآتية:
    تحديد مسرح الجريمة وحمايته
    وقعت الجريمة في شارع عشتروت الذي يقع بين ملعب النجمة الرياضي ومدينة الملاهي حيث المعرض الصيني الدائم. وكانت قوة الانفجار قد دفعت بقطع السيارات وأشلاء الشهداء وغيرها الى دائرة قطرها مئة وخمسون متراً. فوجدت بعض قطع السيارات التي تطايرت على جادة شارل ديغول (التي تسمى أيضاً طلعة دبَيبو) والتلة المجاورة خلف ملعب النجمة. لكن قوى الأمن الداخلي حدّدت مساحة مسرح الجريمة الجغرافية على نحو غير علمي وغير مهني. إذ إن الشريط الاصفر الذي يحدّد بقعة التحقيقات والمحظور دخولها على من لا عمل له فيها، وضع حول مساحة جغرافية لا تشمل جادة شارل ديغول التي كانت سالكة أمس. الجادة تبعد عن مسرح الجريمة ما لا يقل عن عشرة أمتار، وكان المارّة يدوسون أجزاءً من السيارات التي تطايرت جرّاء الانفجار، وبين هذه الأغراض أسلاك كهربائية وقطع حديدية وبلاستيكية واير باغ (air bag)، يعود لإحدى السيارات ومن المفترض أن تعتبر هذه الأغراض جزءاً من عينات مكان الجريمة، ولم تعتبر التلّة الحرجية الموجودة شرقي ملعب النجمة والتي فيها عدد كبير من الاغراض المتبعثرة جرّاء الانفجار، داخل نطاق الشريط الاصفر، إذ إن هذه المنطقة مصنفة «عسكرية» وتابعة للجيش الذي يتمركز في أعلى التّلة، لكن لا توجد أي إشارة تدلّ على ذلك ولم يعيّن حارس عليها. أمّا في الجهة الخلفية لمدينة الملاهي فقد اعتبر جزء منها محظوراً وسمح لأصحاب السيارات الخاصّة غير المتضرّرة من الانفجار بسحبها من المكان كما قال أحد العناصر الامنيين المكلّفين الحراسة. ولم تصنّف المنطقة خلف بوابة مسبح «سبورتنغ» جزءاً من مسرح الجريمة.
    لم يدقق عناصر قوى الامن الداخلي المكلّفين حراسة المكان في هويات الأشخاص والبطاقات العسكرية للعناصر والضباط الذين يدخلون ويخرجون عبر الشريط الاصفر. وهمس أحد الحرّاس لـ«الأخبار» بأنه لا «يسترجي أن يطلب الاوراق الثبوتية للضباط حتى ولو كانوا باللباس المدني» وأن ذلك يعرّضه للمعاقبة المسلكية. وسمح الحارس لعدد من المدنيين بدخول مكان الجريمة بحجّة أن «الضابط أذن لهم بالدخول». كما لم يسجّل عناصر الحماية توقيت دخول أو خروج المدنيين والضباط الى المكان ومنه، ولم تدوّن معلومات عن العينات والاغراض التي نقلها المحققون من المكان.
    رفع الأدلة الجنائية من المكان
    يومي أول من أمس وأمس نقلت عناصر من مختلف الاجهزة الأمنية أغراضاً وعيّنات من مسرح الجريمة لفحصها في المختبرات الجنائية. وشوهد بعض التابعين للشرطة القضائية يرفعون الأدلة في مسرح الجريمة واضعين قفازات بلاستيكية، بينما لم يستخدم مثل هذه القفازات عدد آخر من المحققين الذين كانوا أيضاً يرفعون الأدلة من المكان نفسه، كذلك كانت حال الملابس البيضاء الخاصة بالمحققين في مسرح الجريمة. إذ إن عدداً من المحققين باللباس الخاص كانوا يعملون داخل ملعب النجمة بينما كان عدد آخر من المحققين بدون هذا اللباس يعملون على مقربة منهم. فما فائدة اللباس الخاص والقفازات إذا لم يستخدمها جميع المحققين؟
    أما الأغراض التي رُفعت من مسرح الجريمة فقد نقل عدد منها بأكياس بلاستيكية حمراء. ويذكر أن عدداً آخر من هذه الأكياس التي لم تستخدم رُمي على جانب الطريق بالقرب من ورشة جميل إبراهيم. أما عيّنات التربة فشوهد شرطي قضائي ينقل علبة تنكية كتب عليها «عينة تربة» بينما معرفة بسيطة بالكيمياء كافية لمعرفة أن التربة تتفاعل مع المعدن وبالتالي تؤثّر على نتائج الفحوص المخبرية.
    وكانت الأدلة تنقل الى شاحنة خاصة بالمباحث العلمية للشرطة القضائية، لكن هذه الشاحنة كانت دون حراسة لبعض الوقت أمس ولم تكن أبوابها مقفلة.
    ولوحظ أن الشرطة القضائية ليست مزوّدة جهاز تحديد جغرافي دقيق Geographic Positioning System «جي بي أس» لتسجيل المكان المحدّد الذي نقلت منه كلّ عيّنة.
    التعامل مع محيط مسرح الجريمة
    خلال جولة في محيط مكان الانفجار وخارج نطاق الشريط الاصفر يلاحَظ أن القوى الامنية لم تقم بمسح كامل ودقيق للمنطقة إذ إن عدداً كبيراً من قطع السيارات متناثر في دائرة قطرها مئة وخمسون متراً. وكان من المفترض حظر دخول هذه الدائرة وحمايتها لأنها قد تتضمّن أدلّة جنائية، كما من المفترض تقسيم المنطقة الى دوائر عدّة محيطة بمكان الانفجار.
    إن تفجير العبوة قد تمّ على الأرجح عن بعد، بواسطة جهاز تحكّم. وبناءً على هذا الاحتمال الاقرب الى الواقع، كان المتحكّم في جهاز التفجير يراقب سيارة النائب الشهيد عند وصولها الى نقطة الانفجار. وبالتالي من المفترض أن يبحث المحقّقون عن مكان وجود المُفجِّر الذي يمكن أن يكون قريباً من التفجير، أي في جادة ديغول، أو في الشارع المؤدي الى «اللونغ بيتش» من الجهة الخلفية أو في الورشة المقابلة لشارع عشتروت، أو من المحتمل أن يكون في مكان أبعد من ذلك بـ200 متر أو حتى 400 متر على أقصى حدّ، أي في شارع صلاح الدين الأيوبي المشرف على الساحل، لعدم وجود مبان تحجب الرؤيةstrong>توقيف 90 عاملاًً سورياً مدة 12 ساعة
    دوافع محتملة للجريمة
    يرجّح أن تكون دوافع من اغتال النائب وليد عيدو سياسية، لكونه ينتمي إلى تيار سياسي على عداء مع سوريا وتنظيمات إرهابية في لبنان والخارج.
    ومن الدوافع المحتملة، كما ترى قوى 14 آذار، إرادة إنقاص عدد الأكثرية النيابية إلى ما دون نصف عدد أعضاء مجلس النواب، بغية منعها من انتخاب رئيس للجمهورية.
    كذلك، من المحتمل، وإن بنسبة ضئيلة جداً، أن تكون الدوافع شخصية، ومتعلقة بكون النائب المستهدف قاضياً سابقاً. كذلك ثمة دافع آخر يمكن أن يكون متوفراً، وهو ما تحدّث عنه رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس، في تقرير اللجنة السادس، كفرضية ممكنة ضمن فرضيات دوافع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومفادها أن «الجناة استعملوا ما يبدو أنه دوافع بديهية غطاءً ملائماً، بينما قصدهم الحقيقي هو دفع أفراد آخرين إلى واجهة الاتهام».

    تساؤلات عن جدوى المرافقين الأمنيين...
    كانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد وضعت 14 مجنداً من عناصرها لحماية منزل النائب وليد عيدو ومواكبته.
    ويطرح اغتيال النائب عيدو عدداً من التساؤلات عن جدوى الإجراءات الأمنية التي تتخذها القوى الأمنية، وخاصة إجراءات حماية الشخصيات السياسية والإعلامية المعرّضة للاغتيال، التي تتولاها عناصر أمنية تزيد نسبة المجندين بينهم على النصف. وهؤلاء، وصفهم المدير العام للأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في إحدى مقابلاته الصحافية بـ«غير المؤهلين»، فهم لم يخضعوا لدورات تدريبية على الحماية ولا تلقوا دروساً تمكّنهم من وضع خطط لتحديد المسارات التي ينبغي للموكب سلوكها، أو الأماكن «الساقطة أمنياً» التي يحظر المرور فيها (بحسب المعايير العلمية للحماية الأمنية)، وتوقيت التنقل والآليات المستخدمة. وكذلك من المستبعد أن يكونوا ممن يجيدون كسر روتين التنقلات الذي يسهّل على واضعي التفجير اقتراف جريمتهم.
    كذلك لا بد من طرح سؤال عن مدى التزام السياسيين المهدّدين لتوجيهات العناصر الأمنية المدربة والكفوءة، في حال وجودها ضمن عناصر مواكبتهم.
    (الأخبار)