باريس ــ بسّام الطيارة
جاءت الصورة السوداء للوضع اللبناني الذي نتج من الاغتيال الوحشي للنائب وليد عيدو ونجله وثمانية مدنيين لتضع الدوائر الفرنسية العاملة على الملف اللبناني في حالة من الصدمة، بعدما كان «الأمان الذي يمكن أن ينتج عن إنشاء المحكمة الدولية» لازمة أحاديث العديد من المسؤولين الفرنسيين.
وبعدما أقرت المحكمة، وخلال الأيام القليلة التي فصلت بين صدور القرار ١٧٥٧ والجريمة الشنعاء، عاشت الدبلوماسية الفرنسية المهتمة بلبنان فترة «ما بعد المحكمة»، وكشفت عن خطوات ديناميكية لتحريك الوضع والانفتاح على كل الفرقاء، وكلّلت تحركها بإرسال السفير جان كلود كوسران إلى لبنان في مهمة الإعداد للقاء باريس. وكان محطّ كلام الجميع «المحكمة باتت وراءنا»، مع دعوة إلى اللقاء لتجاوز المراحل المقبلة عملياً، عبر الإعداد لحكومة وفاق وطني، ودستورياً عبر التهيئة لانتخابات رئاسية.
وهذا ما يفسر «البرنامج المثقل» الذي بدأه كوسران وسبب انتقاله مباشرة إلى الرباط بعد وصوله من باريس قادماً من بيروت، للقاء وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل للإعداد لـ «الفصل اللبناني» الذي لا بد أن يكون على رأس قائمة أولويات النقاش مع نيكولا ساركوزي خلال الزيارة المتوقعة للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى باريس في ٢١ الشهر الجاري، مع «تسريبات ملحّة» عن سفر كوسران إلى دمشق خلال أيام، على رغم قول الناطق الرسمي باسم الخارجية جان باتيست ماتيي أمس رداً على سؤال، إن «من غير المتوقع أن يتوجه السيد كوسران إلى دمشق». فعلى رغم هذا النفي، تشدد المصادر الدبلوماسية على أن «الحوار الدبلوماسي قائم عبر سفارتنا في دمشق»، ولا يستبعد البعض أن تتم الزيارة بعد زيارة الملك السعودي، إذ أكد ماتيي أن «باريس تقيم حواراً وثيقاً مع الرياض حول الملف اللبناني».
وخلافاً لما حاول البعض تصويره من أن المبادرة الفرنسية تفتقر إلى مشاورات مع القوى المؤثرة وفي طليعتها الولايات المتحدة، علمت «الأخبار» أن مشاورات على مستوى رفيع جرت مع الأميركيين قبل إطلاق المبادرة، إذ إنه إلى جانب المشاورات التقنية, وأن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس قالت لنظيرها الفرنسي برنار كوشنير على هامش قمة الثماني أخيراً «بما أننا نستعد للتخاطب مع طهران، فمن المستحسن أن تفعلوا الامر نفسه مع السوريين والمعارضة اللبنانية»، وهذا ما أكدته أسبوعية «كنار أنشينيه» في عددها الأخير. ومن هنا فإن الانفتاح المزدوج الذي قامت به كل من باريس وواشنطن، بعلم الرياض، يهدف بحسب بعض المصادر إلى «استدراك المنحنى الخطر» الذي يمكن أن ينزلق نحوه لبنان. وهذا ما جعل بعض المقربين من الملف اللبناني يتساءل، بشكل غير مباشر، عن «المستفيد من هذه الجريمة النكراء»، فيما بدا ظاهراً خوف الفرنسيين من أن يكون الانفجار الأخير موجهاً «إلى المبادرة الفرنسية». ولم يتردد دبلوماسي عربي مقيم في باريس في القول إن «هذه الجريمة الجديدة تعبّر عن رغبة من يقف وراءها بعرقلة كل الخطوات الهادفة الى إعادة الأمن والاستقرار».
هل تعيد فرنسا النظر في مبادرتها؟
سؤال وجهته «الأخبار» الى ماتيي الذي أوضح أن باريس «تواصل العمل على إعداد هذا اللقاء» وأنها «متيقظة لردود فعل، ومقترحات، محاوريها» من اللبنانيين ومن المجتمع الدولي. إلا أنه، ورغم تأكيد فرنسا على لسان مسؤوليها المضي قدماً في الدعوة إلى لقاء لبناني ــ لبناني في باريس، أعادت العملية الإرهابية الأخيرة إلى النقاش كمّاً من الأسئلة عن أهداف اللقاء في غياب برنامج «معلن»، خصوصاً أن «الحديث عما بعد المحكمة» لم يوقف الإرهاب مثلما أعلن سابقاً. وردّاً على سؤال عن هذه النقطة، جدد ماتيي موقف فرنسا من إنشاء المحكمة الدولية وأشار إلى أن «مجرد إنشائها» يعبّر عن رغبة تهدف إلى «الحد من الإفلات من العقاب» و«يؤسس لعناصر استقرار للبنان»، وأن «الرد الوحيد على الاغتيالات ومحاولات زعزعة الاستقرار، هو عزم الشعب اللبناني والأسرة الدولية التي تقف إلى جانبه» وهو ما يبدو أن فرنسا تسعى إليه عبر محاولة جمع الأفرقاء في باريس.