طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
في موازاة ما تتركه حملات التوقيف والمداهمة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في مدينة طرابلس وبقية المناطق الشمالية، من قلق وخوف وارتباك عند المواطنين، بحثاً عن فارّين أو مشتبه فيهم ينتمون إلى حركة «فتح الإسلام»، أو إلى تنظيمات إسلامية أصولية متشدّدة مطلوب إلقاء القبض على عناصرها أو التحقيق معهم لأسباب أمنية، تشهد هذه المناطق انتشار أخبار وشائعات مضخّمة عديدة، تفيد بتواجد منتمين أو متعاطفين مع الحركة فيها، مع ما يتركه ذلك من بلبلة في صفوف الأهالي والقوى الأمنية على السواء.
وإذا كانت المعارك الفعلية بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم «فتح الإسلام» تدور حصراً في مخيّم نهر البارد منذ 20 أيّار الماضي، بعد أن عاشت طرابلس جوّ هذه المعارك في اليومين الأولين منها، فإنّ معارك من نوع آخر تدور في أغلبية المدن والقرى الشمالية، وهي وإن كانت لا تسبب وقوع شهداء وقتلى وجرحى، أو خسائر مادية، إلا أنّها تؤدّي أحياناً إلى حالات هلع وتوتر، لكونها تشبه الذي يحاول محاربة السراب.
فالمعلومات المضخّمة والممزوجة بالشائعات، والتي يتجاوز بعضها أغلب الأحيان الواقع، والتي انتشرت بسرعة فائقة كالنّار في الهشيم، تحدثت عن حالات تعبّر عن مدى الارتياب الذي ساد في أوساط المواطنين منذ اندلاع الأحداث، وهو ارتياب عكس أجواء الخوف وانعدام الثقة والخشية التي تنتابهم.
ففي مدينة الميناء، ما يزال المواطنون يتحدثون، من غير وجود أيّ تأكيد لصحّة هذه الرواية أو حقيقتها، عن أنّ امرأة منقّبة بالكامل كانت تسير قرب مستديرة مدخل شارع بور سعيد الرئيسي في المدينة، وأنّها استرعت انتباه أحد المواطنين الذين اشتبهوا فيها، لأنّ الحذاء الذي كانت تنتعله كان ضخماً وموحلاً، وهو أقرب إلى أن يكون حذاءً رجالياً لا نسائياً، فاقترب منها مع بعض سكان الشارع وطلبوا منها نزع النقاب عن وجهها، وعندما رفضت نزعوه بالقوة، ليتبين لهم أن الشخص رجل وليس امرأة، وأنّه أحد عناصر تنظيم «فتح الإسلام» الفارّين، فعملوا على إبلاغ الجهات الأمنية المختصة التي حضرت إلى المكان على الفور وساقت الشخص للتحقيق.
وفي بلدة كفرحبو (الضنّية)، أثار تجوّل شخص غريب في شوارعها، مشياً على الأقدام، أنظار بعض الأهالي الذين ارتابوا منه، وخصوصاً أنه كان ملتحياً، ويضع قبعة صوفية على رأسه، ويحمل بيده مقصّاً لتقليم الأشجار، فاتصلوا بالجهات الأمنية المختصة التي أرسلت دورية إلى المكان، قبل أن يتبين أنّه عامل في الأرض، وأنّه أتى لعند أحد الأشخاص في البلدة، لإنجاز بعض الأشغال الزراعية عنده.
وفي بلدة بخعون المجاورة، لم يختلف الأمر كثيراً من هذه الناحية، إذ أُشكل على إحدى نساء البلدة فهم طبيعة عمل مسّاحي الأراضي الذين كانوا يقومون بإنجاز عملهم فيها، أو معرفة ما يتعلق بعمل الأجهزة الموجودة معهم، فسارعت إلى إبلاغ فصيلة قوى الأمن الداخلي في المنطقة، التي حضرت على جناح السرعة لتزيل الالتباس الذي يتكرر يومياً في المنطقة وغيرها.
أمّا في منطقة باب التبانة الشعبية في طرابلس، فلم يتمالك أحد المشتبه فيهم، الذي أُوقف لستة أيّام على ذمّة التحقيق، إلا أن يقول لمسؤولي أحد الأجهزة الأمنية بعد إطلاق سراحه والاعتذار منه: «إنّ الأيام الستّة التي قضيتها عندكم، أنستني ما لاقيته في السجون السورية سابقاً لمدة ستة أعوام!؟».
في مقابل كل ذلك، بقي توقيف أو مداهمة منزل شخص ملتح، بعد الاشتباه فيه، الحدث الطاغي في طرابلس، ومجال تندّر في أوساط من يعرفون قريباً أو صديقاً ملتحياً، وهو ما يفسّر تراجع نسبة مشاهدة الملتحين في شوارعها هذه الأيّام، إضافة إلى تراجع مماثل في رؤية النسوة المنقّبات، اللواتي تحوّلن إلى ظاهرة لافتة في طرابلس في الأعوام الأخيرة.