شتورا ـ نيبال الحايك
يمضي بائع «اليانصيب» السوري أحمد يومه قرب المحال التجارية في شتورا، مستوقفاً المارة وكل زبون يدخل إلى المؤسسات التجارية في المدينة، عارضاً أوراق «الحظ» عليهم، مطلقاً سلسلة من «الدعايات» لأوراقه وأن «الحظ» سيكون حليفاً لك.
ولكن أكثر ما يزعج أحمد القادم من منطقة طرطوس السورية أن «النظرة» الدونية اللبنانية نحوه وأقرانه تبقى هي المسيطرة و«سيدة الموقف» رغم «أنهم يبحثون عني أحياناً لشراء ورقة لوتو أو يانصيب أو للاطّلاع على نتائج السحوبات».
انتظر أحمد مدة طويلة حتى «تحلحل» قليلاً الوضع الاقتصادي للبنان «سافرت إلى سوريا أيام حرب تموز وكنت أحزن على أيام العزّ التي كنت أبيع فيها حوالى 20 ورقة من اللوتو يومياً»، وعدت بعد الحرب «وليتني لم أرجع، صرت منبوذاً من قبل زبائني»، ندم أحمد على عودته إلى لبنان. أما الآن فقد تغير الوضع قليلاً، زبائنه اللبنانيون والذين ضد النظام السوري، ينتظرون هذا البائع «المنبوذ» ليشتروا ورقة الحظ لعلها تنسيهم همومهم، وتنسيهم من يشترون منه الحظ والأمل.
الأوضاع السياسية زعزعت العلاقات التي كانت تربط الشعب اللبناني مع السوري، ولكن ورقة اللوتو أعادت لأحمد زبائنه الذين قاطعوه لفترة طويلة، بعدما أصبحوا يعتبرونه مخبراً للمخابرات السورية.
أما أيمن فهو يقف كل صباح في ساحة شتورا، متنقلاً من زبون إلى آخر، وحين يرى سيارات فخمة لا يقترب منها، فهو يدرك في قرارة نفسه أن أصحابها ليسوا بحاجة إلى أوراق يانصيبه.
ينتظر أيمن الموظفين في منطقة شتورا، ويظن بداخله ما يجول في خاطر كل موظف «كل واحد منهم بيحلم إنو يغنى ويصير معو مصاري، وبكونوا ناطريني كل صباح حتى ربنا يفرج همّن»، ومع القليل من الثرثرة الصباحية والتأكيد من أيمن على أن كل ورقة بحوزته هي الرابحة، يأتي آخر النهار ولم يبق في دفتره غير بضع ورقات. «أيام العز راحت» يقول أيمن الذي لم يعد يبيع أوراق «اللوتو» كما السابق، أصبح الكثيرون من اللبنانيين ينظرون إليه نظرة «حقد»، وكأن كل بائع سوري مسؤول عن الأحداث التي تحصل في لبنان حالياً.
أما أبو وديع فهو يسيطر على منطقة زحلة وسوق زحلة بالتحديد، لا يترك زبوناً، امرأة أو رجلاً، إلا ويوقفه، مع كل ورقة لوتو مقطع من أغنيات جورج وسوف «أنا الوسّوفي في البقاع، ملك الصوت والورقة». هذا الرجل الذي يدعى أبو وديع تيمناً بالمطرب جورج وسوف، كل منطقة زحلة تشتري الحظ منه.
أبو وديع «بائع اللوتو منذ أكثر من عشرة أعوام»، موجود في سوق زحلة في الصيف والشتاء، وزبائنه ينتظرونه يومياً «الجميع هنا يشتري مني لأنهم لا يريدون أن يشتروا من بائع سوري».
بائعو «اللوتو» ينافسون بعضهم بعضاً في المناطق البقاعية، كل بائع يحسب مكان بيعه لأوراق اللوتو ملكاً له، لا يسمح بدخول منافس إلى منطقته ولو وصلت المنافسة إلى أجواء الكراهية. فأحمد يرى أن منطقة شتورا هي ملك لدفتر حظه، وأيمن يعتبر ساحة شتورا «طُعمه» الذي يرميه مثل صيادي الأسماك، أما أبو وديع فـ«ممنوع الغلط معو»، ومنطقته محظورة الدخول.
لا تشهد مناطق عدة في البقاع الأوسط حضوراً لبائعي الحظ من الجنسية السورية وذلك خوفاً من نظرائهم اللبنانيين، ولأن هذه المناطق تثير ردود فعل سلبية على وجود بائعي الحظ السوريين، إذ ينظر إلى كل مواطن سوري يعمل في الزراعة أو البناء أو التجارة على أنه تابع للاستخبارات السورية بامتياز!