جوان فرشخ بجالي
تزوير الآثار مهنة لها محترفوها المنتشرون في مختلف أنحاء العالم، ولا يبدو لبنان بعيداً من هذه الآفة في ظل غياب أي مختبر علمي لفحص الآثار في الشرق الأوسط العربي

معاملات مخترعة، أوراق ثبوتية ملفّقة وتحف مزوّرة، تلك هي حال أسواق الآثار في لبنان والعالم. إذ تكشف دراسات مجلات المتاحف أن أكثر من ثلثي القطع الأثرية المباعة مزوّرة، إن في المزادات العلنية وإن في صالات العرض، وهذا ما يؤكده أيضاً كتاب عالم الآثار وخبير التحف السابق في متحف المتروبوليتان في نيويورك أوسكار موسكارلا
The lie became great: the forgery of Ancient Near Eastern Culture.
ولكن بالنسبة إلى المتعاملين بالقطع الأثرية تعدّ كل تلك الدراسات «غير واقعية»، ولا يجب أن تعوق عملهم على تلبية «رغبات» زبائنهم. هكذا تزخر السوق بـ«تحف» تعود إلى كل الحقبات التاريخية وكل مناطق الكرة الأرضية، وهذا مستحيل علمياً. إذ لا يمكن أن يعثر في المواقع الأثرية على هذا الكمّ الهائل من التحف بحالة ممتازة، فالحفريات الأثرية تدوم أشهراً وقد يعثر خلالها على بعض القطع الكاملة الشكل. ولكن بحسب حال السوق، فإن نوادر التنقيبات الأثرية هي الطبيعي للسرقات، لأن ما لا شك فيه هو أن القطع المعروضة للبيع هي إما مسروقة من المواقع الأثرية أو مزوّرة في إحدى «محترفات التزوير» السريّة والموجودة في كل بلدان الحضارات القديمةولا تبدو بيروت بعيدة من هذا المجال، إذ يكشف خبراء بريطانيون وفرنسيون وأتراك (طلبوا عدم الكشف عن اسمهم) أنها «إحدى أهم المحطات في تجارة الآثار. فالقطع تصلها من كل مناطق الشرق، فيشتريها هواة المجموعات من اللبنانيين أو «تُصدّر» الى الأسواق العالمية». وهذا ما يظهر للعيان حينما يتجوّل المرء في صالات عرض التحف الموزعة في أرجاء العاصمة، فالآثار «اللبنانية المصدر» تعرض جنباً الى جنب مع القطع السورية (من تدمر أو أفاميا...) والتركية (الآثار الحثّية) والعراقية (السومرية والبابلية أو الإسلامية العباسية) وحتى اليمنية. «آلاف القطع وكلها أصلية مع أوراق ثبوتية»، كما يؤكد التجار. وهنا يتساءل عالم الآثار ومالك صالة عرض Muséon شوقي ضو عن «كيفية التأكد من عدم تزوير القطعة في ظل عدم وجود مختبر علمي واحد في منطقة الشرق الأوسط العربي لفحص القطع، وخصوصاً أن لكل مادة طريقة فحص مختلفة. فالفخار مثلاً يحتاج أولاً إلى فحص مجهري دقيق ومن ثم إلى إضاءة حرارية (Thermoluminescence) تؤكد عمر القطعة بالسنين. أما بالنسبة إلى الزجاج فهناك إشعاعات معينة تستعمل لقراءة تقزح الألوان عليها. والجدير بالذكر أن كلفة هذه الفحوص أصبحت رخيصة بعدما سمح ببيع المختبرات التي تجريها الى كل البلدانإن الدراسة العلمية هي الطريقة الوحيدة لضمان أصالة القطعة، وخصوصاً مع «الحرفية» العالية لبعض المزوّرين. ففي السنين الماضية بِيع في «تل أبيب» ناووس حجري على أنه قبر «يعقوب أخ المسيح»، وعُرض في المتاحف وشارك في جولات عالمية قبل أن يُكتشف أنه مزوّر بشكل عالي الاحتراف. أما بالنسبة إلى القطع الصغيرة المعروضة في الأسواق فهي تأتي من قرى حدودية بين سوريا وتركيا حيث للتزوير محترفوه، ولم يتردد أحد أهالي تلك القرى بعرض طريقة عمله في فيلم وثائقي تركي. ويعرض هذا الفيلم كيف كان الرجل يعمد مع أخواته إلى تصوير القطع التي تكتشف خلال حفريات الإنقاذ في مدينة زوغما الرومانية التي غمرتها مياه سد الفرات، ومن ثم يذهبون إلى منازلهم وينسخونها لبيعها في الأسواق العالمية على أنها أصلية أنقذت من الغمر.
ويعتبر تزوير الآثار في تلك المناطق «صنعة» تتوارثها الأجيال التي تطور تقنياتها مع مرور الزمن، بحيث تصل الدقة بالمزوّرين إلى إنتاج قطع قد لا يكشفها الخبراء المكلفون من قبل كبرى دور المزادات العلنية، ولا يكشف التزوير إلا العلم والمختبرات الحديثة. ولكن هل يهتم هواة جمع التحف بذلك أم هم مستعدون لدفع أموال طائلة من دون أي إثبات حسّي؟