نقولا ناصيف
الأسباب التي حملت قوى 14 آذار على التمسّك بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة ومقاومة أي محاولة لإسقاطها من الداخل وفي الشارع، هي الأسباب نفسها التي تحملها على التمسّك بالأكثرية المطلقة التي تملكها في مجلس النواب، المنبثقة من انتخابات 2005. وهي الأسباب التي ستحملها على إجراء انتخابات فرعية لدائرتي المتن وبيروت، والأسباب ذاتها التي حملت هذه القوى على تجاهل استقالة ستة وزراء، والمضي إلى مجلس الأمن لإقرار المحكمة الدولية، كما حصلت العام الماضي على قرارات من مجلس الأمن بحضّ سوريا على إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان وترسيم حدودها معه. وكل هذه الأسباب تحمل الأكثرية على المضي في مواجهتين قاسيتين: مع المعارضة التي تحاول تعطيل قدرة قوى 14 آذار على الحكم، ومع سوريا التي تتبادل وإياها معركة إلغاء إحداهما للأخرى. وتالياً لن يكون عزم الغالبية على إجراء انتخابات فرعية أصعب تحدياتها، ولن يكون الاستحقاق الرئاسي آخرها. وهكذا يبدو الصراع مفتوحاً على أسوأ الاحتمالات بلا سقف سياسي وأمني.
وتبدو دوافع قوى 14 آذار في الذهاب إلى انتخابات فرعية، منفردة، مبرّرة تحت ذريعة حماية نوابها من الاغتيال السياسي الذي يصطادهم واحداً بعد آخر، وحماية غالبيتها على أبواب الاستحقاق الرئاسي، مع أنها تعرف سلفاً أنها غير متأكدة، حتى الآن على الأقل، ممّا إذا كان في وسعها إجراء الانتخابات الرئاسية بالأكثرية المطلقة من دون غطاء بكركي والمظلة الدولية التي تحميها. وإجراء انتخابات نيابية فرعية خارج الآلية التي يلحظها قانون الانتخاب، يضاعف الانقسام الداخلي ويعزّز السجال المتبادل حيال خرق الدستور والقوانين. وتبدو حينذاك الأسباب السياسية والتسابق على السلطة متقدمين ما عداهما، ومؤديين حتماً إلى الانفجار.
وفي واقع الأمر، فإن أي قرار يتخذه مجلس الوزراء اليوم بالإصرار على إجراء انتخابات فرعية يصطدم بعراقيل قانونية لا يسقطها تجاهل المجلس لها، وأبرزها:
1 ــــــ تحصر المادة السابعة من قانون الانتخاب رقم 171 الذي أجريت على أساسه انتخابات 2000، والتعديلات التي أدخلت عليه في الأحكام الاستثنائية في القانون الرقم 676 الذي عدّل قانون 171، الصادر عام 2005، إصدار مرسوم دعوة الهيئات الانتخابية إلى انتخابات عامة أو فرعية برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الداخلية. وليس ثمة مرجعية أخرى معنيّة بإصدار هذا المرسوم، كما أن إغفال المرسوم أياً من التواقيع الثلاثة يجعله مشوباً بعيب ويجعله مخالفاً للقانون.
2 ــــــ ليس لمجلس الوزراء صلاحية وضع اليد على مرسوم دعوة الهيئات الانتخابية، ولا مناقشته واتخاذ أي قرار في شأنه لكون هذا المرسوم لا يدخل في سياق المراسيم التي هي من اختصاص مجلس الوزراء مجتمعاً. وتالياً لا تسري على مرسوم دعوة الهيئات الانتخابية أحكام المادة 56 من الدستور التي تجعله نافذاً إذا أحجم رئيس الجمهورية عن إصداره، مما يحتّم على مجلس الوزراء إجراء قراءة ثانية له أو الإصرار عليه واعتباره عندئذ نافذاً، وإن رفضه الرئيس. وما صحّ في الأشهر الأخيرة على سلسلة قرارات ومراسيم دخلت في اختصاص مجلس الوزراء رفضها لحود وأصرّ عليها مجلس الوزراء وأعاد إقرارها ونُشرت، لا يصحّ على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، لكون الأخير خارج نطاق ما ترعاه المادة 56.
3 ــــــ سبق لحكومة السنيورة، إثر استشهاد النائب جبران تويني في 12 كانون الأول 2005، أن سلكت الآلية القانونية التي تنص عليها المادتان السابعة والثامنة من قانون الانتخاب، واحترام آلية إجراء انتخاب فرعي في بيروت لملء المقعد الشاغر، وأصدرت مرسوماً بذلك وقّعه لحود والسنيورة ووزير الداخلية حسن السبع. حينذاك لم يقل مجلس الوزراء إنه يريد وضع يده على الانتخاب الفرعي رغم أن الوزراء الشيعة استنكفوا يوم استشهاد تويني عن حضور جلسات مجلس الوزراء، وصار المجلس يُعقد في غيابهم، كذلك كانت الغالبية الحكومية في سجال سياسي وخلاف مع رئيس الجمهورية. إلا أن الانتخاب الفرعي لخلافة تويني راعى الأصول القانونية، وآل المقعد بالتزكية إلى الأستاذ غسان تويني في 21 كانون الثاني 2006.
4 ــــــ في وسع قوى 14 آذار التسلّح بالمادة 41 من الدستور القائلة بملء الشغور في مجلس النواب في حال وفاة نائب أو استقالته أو أي سبب آخر. إلا أن هذه المادة تضع القاعدة الرئيسية لملء هذا الشغور وتحيل آلية حصوله على المادتين السابعة والثامنة من قانون الانتخاب. والواقع أن المادة الثامنة تحدّد بالتفصيل آلية الشغور على نحو ما ترسمه المادة 41 من الدستور، وتستكمل عناصر آلية دعوة الهيئات الانتخابية والحالات التي ينطبق عليها الشغور ومدد ملئه. وتالياً فإن هاتين المادتين تمثّلان الآلية القانونية لتنفيذ ما تنص عليه المادة 41، دون إناطة هذا التنفيذ بمجلس الوزراء لكونه لا يمثل الجهة الصالحة لبتّ النزاع على تنفيذ المادة.
والأصح أن المشكلة افتعلت خلافاً وانقساماً على المواد 41 من الدستور والسابعة والثامنة من قانون الانتخاب.
أما في واقع الأمر، فثمّة بضع نتائج مرجحة:
ـــــ تقارب الغالبية اغتيال النائب وليد عيدو بعد النائب بيار الجميل على أساس أنه تهديد جدّي لامتلاكها الأكثرية المطلقة، سواء رمى إلى هدف قريب هو تعطيل قدرتها على خوض الاستحقاق الرئاسي منفردة وفرضها إياه أمراً واقعاً على الطرف الآخر، أو إلى هدف بعيد هو تجريد قوى 14 آذار من قدرة السيطرة على الأكثريتين النيابية والحكومية، كذلك تسمية الرئيس المكلف للحكومة.
ـــــ لا تتوقع قوى 14 آذار أن تواجه عقبات إجرائية بعد وضع مرسوم الدعوة إلى انتخابات فرعية موضع التنفيذ. فهي لا تتنظر في أي حال إجراء انتخابات فعلية، وإنما ملء شغور المقعدين بالتزكية في بيروت خلفاً لعيدو، وفي المتن خلفاً للجميل. وإذ تطمئن إلى سيطرتها على إدارة تزكية المرشح في بيروت، تتصرّف بوثوق مماثل حيال انتخابات المتن انطلاقاً من اعتقادها بأن الرئيس ميشال عون، انسجاماً مع موقفه وتحالفاته، سيعرض عن خوض الانتخابات الفرعية لسبب مبدئي، هو عدم اعترافه بالطريقة اللاقانونية لإجراء انتخابات في المتن من دون مرسوم يمهره رئيس الجمهورية. الأمر الذي يؤول إلى تزكية المرشح المتني. وغالب الظن أنه سيكون الرئيس أمين الجميل.
ــــــ أياً تكن تبريرات الموقف الذي سيتخذه لحود لتبرير عدم توقيعه مرسوم دعوة الهيئات الإنتخابية، فإن حجم الصراع الداخلي والشرخ العميق الذي أخذ يضرب آمال مصالحة وطنية يوماً بعد آخر، حتى ليهدد بنسفها نهائياً، يجعل كلاً من رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء يعتبر الآخر إحدى أدوات نزاع إقليمي مفتوح. وكما يعتمد رئيس الجمهورية على تأييد المعارضة لأي خطوة قد يقررها في المرحلة المقبلة، تنظر قوى 14 آذار إلى الشرعية الدستورية التي تمثّلها على أساس أنها باتت مستمدة من المجتمع الدولي، لا من الداخل ولا من النصوص.
وهي أسباب كافية لأخذ الجميع، بدوافع انتخابات فرعية أو من دونها، إلى انفجار حتميّ.