أنطوان سعد
يشير مجرى الأحداث المتسارعة في لبنان، إضافة إلى المعطيات الواردة من العاصمة الأميركية، إلى أن المبادرة الفرنسية لعقد اجتماع حواري في باريس نهاية الشهر الجاري فقدت زخمها إلى حد كبير.
وكشفت معلومات أن مستوى تمثيل الأحزاب آخذ في التدني، إلى حد دفع أحد المدعوين المستقلين الأربعة إلى المشاركة تحت عنوان «تمثيل المجتمع المدني» يعيد النظر في موافقته على قبول الدعوة. ولا تستبعد أوساط مراقبة أن تعلن الحكومة الفرنسية إرجاء عقد لقاء باريس بحجة الأحداث المستجدة، وخصوصاً بعد اغتيال النائب وليد عيدو. فيما يفترض أن تحمل مثل هذه الظروف بالتحديد الحكومة الفرنسية على المضي بمبادرتها بغية محاولة تنفيس الاحتقان.
وما يحمل الأوساط المراقبة على توقع تأجيل اجتماع باريس أو إلغائه هو المعطيات المحلية والمعلومات الواردة من واشنطن عن عدم وجود ارتياح لدى الإدارة الأميركية حيال هذه المبادرة، الأمر الذي سيعزز الاعتقاد، عاجلاً أو آجلاً، لدى وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير الذي تراه واشنطن «أبا هذه الفكرة»، بأن النتيجة المتوخاة، لن تكون أبداً على قدر المجهود الذي يبذل وسيبذل، إلا إذا كان المقصود من الاجتماع تأكيد الإدارة الفرنسية الجديدة على تمايز معين مع إدارة الرئيس السابق جاك شيراك الذي كان بعض أطراف المعارضة يتهمه بالانحياز التام إلى خصومها. وفي هذا الإطار، تعتقد مصادر أميركية أن «نيكولا ساركوزي ليس جاك شيراك عندما يتعلق الأمر بلبنان».
وتفيد المصادر المطلعة على أجواء الإدارة الأميركية بأن هذه الأخيرة فاتحت نظيرتها الفرنسية بموضوع المبادرة بعد أيام من إعلانها وعاتبتها على المسائل التالية:
ـــــ عدم إعلام باريس واشنطن بأنها في صدد القيام بهذا التحرك في لبنان الذي يدخل في صلب اهتمامات الأخيرة.
ـــــ عدم اهتمام الدبلوماسية الفرنسية في الظهور بمظهر الفريق المستعد للتنسيق مع الإدارة الأميركية التي تبدو شديدة الحرص على الحفاظ على شكل التعاون المتين مع حلفائها ومن بينهم فرنسا.
ـــــ قبول فرنسا بإعطاء «حزب الله» موقعاً للظهور في إطار عالمي.
وتشير المصادر إلى أن الإدارة الأميركية لم تقتنع بالتوضيحات التي قدمتها الخارجية الفرنسية، ومنها أن المبادرة أتت بعد إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في مجلس الأمن التي كانت العقبة الرئيسية في وجه إجراء حوار بين الأطراف اللبنانية. وقال الفرنسيون للأميركيين أيضاً إن رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة أيد بقوة فكرة اجتماع باريس للتحاور مع المعارضة في مستهل المرحلة المؤدية إلى انتخابات رئاسة الجمهورية. كما أكدوا لهم أن هذا الاجتماع لن تصدر عنه مقررات أو توصيات. وأوحى الفرنسيون بتشبيه إحجامهم عن إطلاع الأميركيين على مبادرتهم قبل إعلانها، بقرار وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الاجتماع بنظيرها السوري وليد المعلم من دون إعلامهم.
وما يزيد من الصعوبات التي تعترض المبادرة الفرنسية ظهور معطيات تدحض صحة المعلومات التي جرى التداول فيها في بيروت ومفادها أنها تتم بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية. إذ أبلغ المسؤولون السعوديون الإدارة الأميركية استياءهم من فكرة عقد اجتماع في باريس معربين عن شكوكهم في أن يؤدي إلى نتيجة إيجابية ملموسة.
أما ما يتم التساؤل حوله في واشنطن فهو فحوى موقف النائب سعد الدين الحريري من المبادرة. ومع إقرار المسؤولين الأميركيين بأنه «غير قادر على القول لا للفرنسيين، أقله ليس الآن»، فإنهم يعربون عن اعتقادهم بأن اجتماع باريس لن يبصر النور على الأرجح، على رغم أنهم يرون أنه لا يزال من المبكر الجزم في هذا الأمر. وتنقل المصادر المطلعة عن مسؤول أميركي بارز قوله تعليقاً على المعطيات التي تشير إلى احتمال إلغاء فرنسا لمبادرتها: «من الواضح أن الأطراف التي يفترض أن تشارك في عملية الحوار هذه لا نية لديها للعمل في شكل بنّاء من أجل لبنان».