عرفات حجازي
تواجه الطبقة السياسية سؤال ملحا حول كيفية التعامل مع المسعى العربي المتجدد؟ هل يتجاوبون ويعودون إلى طاولة الحوار؟ أم أن الفرصة ستسقط وسيكون ما بعدها غير ما كان قبلها وربما أخطر؟
عشية اغتيال النائب وليد عيدو كانت التسريبات الإعلامية توحي بأن حكومة الوحدة الوطنية باتت قاب قوسين أو أدنى، ومع حادثة الاغتيال عاد مستوى القلق إلى الارتفاع، ولم تعد الحلول في سلم الأولويات الملحة. وعلى العكس من ذلك ففريق الأكثرية قرر الانتقال إلى الهجوم، ورَسَمَ استراتيجية جديدة لتحركه على جبهات ثلاث:
داخليا حَسَمَ فريق الأكثرية مسألة الانتخابات الفرعية في بيروت والمتن الشمالي لقطع الطريق على تغيير المعادلة السياسية القائمة من خلال تحويل الأكثرية إلى أقلية باتباع أساليب الاغتيال.
عربيا انتزع الفريق الاكثري قراراً بدعم الحكومة في مواجهة الإرهاب وضبط الحدود مع سوريا ومعالجة السلاح الفلسطيني مع إرسال وفد خماسي رفيع المستوى إلى بيروت للمساعدة على تخطي الأزمة ووضع لبنان على طريق الخلاص.
دوليا بدأ هذا الفريق اتصالاته بعيداً من الأضواء مع الدول المؤثرة في القرار الدولي لحثّها على توفير مظلة حماية للبنان، حتى إذا عجزت جامعة الدول العربية عن تحمل مسؤولياتها أمام استباحة لبنان ورموزه، فإن هذا الفريق سيسعى إلى تأمين الغطاء السياسي المطلوب لاستقدام قوات دولية ترابط على الحدود بين لبنان وسوريا.
هذا التوجه لفريق الرابع عشر من آذار سيجعل مهمة الوفد الخماسي العربي صعبة جداً، علماً بأن الأمين العام للجامعة عمرو موسى أحرق أصابعه في هذا الملف، وقد بات خبيراً في تعقيداته وتداخله مع ملفات المنطقة بكل ما فيها من روافد وامتدادات إقليمية ودولية، وبالتالي لن يسمع الوفد من رؤساء المؤسسات والقوى السياسية المتنازعة غير ما سمعه موسى، سواء أثناء مبادراته أو في اتصالاته الهاتفية المستمرة من دون أن ينجح هو ولا غيره من الوسطاء في دفع القيادات إلى الحوار المباشر، وخصوصاً أن التجربة التي خاضها رئيس المجلس نبيه بري مع رئيس تكتل المستقبل لم تكن مشجعة، إذ إن التفاهمات الكبيرة التي أُنجزت من خلال لقاءات التشاور المتعددة بينهما سرعان ما جرى الالتفاف عليها فعادت الأمور إلى المربع الأول.
لكن الجديد الذي يمكن الرهان عليه هو القرار المتخذ بإجراء الاتصالات مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية القادرة على التأثير في الملف اللبناني. صحيح أن عمرو موسى سبق أن أجرى مثل هذه الاتصالات من دون أن ينجح، لكن الظروف اختلفت الآن والمخاطر تزايدت ودائرة اللهب آخذة في الاتساع، وهناك خوف جدي من افتعال صدامات مع القوة الدولية لاستدراج المزيد من الإرهابيين إلى ساحة لبنان لمواجهة الغربيين وحلفاء أميركا. ربما من هذا المنطلق تستعجل المملكة العربية السعودية تحركها لترتيب الوضع اللبناني، لأنها مدركة أن لبنان بات أسير صراعات إقليمية ودولية لم يحن أوان التسويات بشأنها بعد، فقرر ملكها عبد الله بن عبد العزيز زيارة فرنسا يوم الخميس المقبل لإجراء محادثات مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تتناول الأزمة اللبنانية التي بدأ التنسيق بشأن معالجتها بين الفرنسيين والسعوديين. بالإضافة إلى ذلك هناك عدد من الشخصيات العربية والإقليمية والدولية ستزور باريس، ويمهد لها السفير جان كلود كوسران. إلا أن الزيارة التي تحظى باهتمام ومتابعة هي التي سيقوم بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى طهران لاستكمال التنسيق والتشاور في كيفية مساعدة القوى السياسية في لبنان على تجاوز أزمتها قبل أن تنفتح على على فتنة تقذف بحممها في كل صوب واتجاه.
على إن قادة المعارضة يتريثون في إبداء رأيهم في الكيفية التي سيتعامل معها فريق الأكثرية مع المسعى العربي في ضوء التجارب غير المشجعة معه، حيث تم إجهاض كل المبادرات والوساطات والحلول. بدءاًَ من مبادرة الجامعة العربية، مروراً بالمبادرات السعودية المتلاحقة، وآخرها تحرك السفير السعودي والحوارات الثنائية بين بري والحريري وانتهاء بالمبادرة الفرنسية أظهرت أن هذا الفريق يمعن في سياسة تقطيع الوقت لأخذ البلد إلى الاستحقاق الرئاسي وتمريره بشروطه، من هنا قناعة الجانب المعارض بفقدان الأمل بالوصول إلى توافق مع فريق الأكثرية مع تشديده على أن المجال ما زال مفتوحاً، لكن ليس لوقت طويل للتوافق على حكومة وطنية، لأنه بعد حزيران الحالي سيكون زمن آخر وأداء سياسي آخر سيظهر في حينه.