عبدو سعد *
وافق مجلس الوزراء، أول من أمس، على دعوة وزارة الداخلية الهيئات الناخبة في دائرتي جبل لبنان الثانية ــ المتن وبيروت الثانية (المصيطبة والباشورة والرميل) الى انتخاب نائبين عن المقعد الماروني والمقعد السني خلفاً للنائبين الشهيدين بيار الجميل ووليد عيدو، وذلك في الخامس من آب المقبل. في ما يأتي عرض لنتائج انتخابات دورة عام 2005 في هاتين الدائرتين، ومحاولة لاستشراف نتائج الانتخابات المزمع اجراؤها، فيما لو شاركت كل القوى فيها ترشيحاً وانتخاباً

تعتبر الخريطة السياسية لقضاء المتن الأكثر تنوعًا وتوازنًا بين كافة الدوائر الإنتخابية في لبنان، إذ يعدّ هذا القضاء معقلاً لقوى سياسية عدة، في مقدمها حزب الكتائب وآل الجميل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الطاشناق، اضافة الى الزعامة التاريخية لآل لحود بشقيهما، وزعامة آل المر، والحضور القوي والمستجد للتيار الوطني الحر، إضافة الى قوى أخرى مثل «القوات اللبنانية» وآل مخيبر.
وقد سجلت الإنتخابات النيابية في هذا القضاء، في الدورة الإنتخابية للعام 2005، أعلى نسبة مشاركة شعبية، منذ أن أصبح هذا القضاء دائرة إنتخابية بحدودها الحالية عام 1960، فبلغت نحو 51.2% متجاوزةًَ بذلك نسبة المشاركة في إنتخابات عام 1972 (50.9%). وشاركت في الدورة الأخيرة كافة القوى التقليدية، إضافة الى القوى الناشئة، وتواجهت فيها لائحتان هما "الاصلاح والتغيير" التي ضمت تحالف التيار الوطني الحر وتيار النائب ميشال المر إلى جانب حزب الطاشناق، و«لائحة المعارضة» التي ضمت حزب الكتائب، حركة التجدد، "القوات اللبنانية"، الحزب الشيوعي، اضافة إلى قوى محلية أخرى. وسُجلت مفارقة بخوض الحزب السوري القومي الاجتماعي هذه الإنتخابات منفردًا، للمرة الأولى، بعد اخفاقه في اقناع العماد ميشال عون بإدراج مرشح الحزب على لائحة "الإصلاح والتغيير". ولكن، رغم ذلك، سجّل تبادل للأصوات بين الطرفين، خصوصاً مع النائب ميشال المر ومرشح حزب الطاشناق.
جرت انتخابات المتن في ظل أجواء تعبئة تكاد تكون غير مسبوقة، وحققت فيها لائحة "الاصلاح والتغيير" فوزًا كبيرًا وغير متوقع، إذ تراوح عدد أصوات الفائزين من اللائحة بين 56840 صوتاً (النائب إبراهيم كنعان) و48662 صوتاً (النائب ميشال المر)، في مقابل 29421 صوتاَ (النائب الراحل بيار الجميل) و19683 صوتاً (المرشح ميشال عقل)، وبلغ الفارق بين الاخير على لائحة "الاصلاح والتغيير" والأول على «لائحة المعارضة» نحو 20 الف صوت (أكثر من 23% من أصوات المقترعين).
وتجدر الإشارة الى أن كنعان نال نحو 65.8% من أصوات المسيحيين من غير الارمن، فيما نال الجميل نحو 39%، مما يعني أنه حتى من دون أصوات الارمن كان الفارق سيبقى كبيراً.
ولا يمكن التكهن بأن نتائج الإنتخابات النيابية في المتن، في حال جرت وخاضتها كل من المعارضة والموالاة، ستكون هي نفسها كما في انتخابات 2005. إلا أن نتائج استطلاع للرأي اجراه «مركز بيروت للابحاث والمعلومات» في قضاء المتن أواخر تشرين الاول 2006 رجّحت كفة المعارضة بشكل كبير، إذ بلغت نسبة التأييد للمعارضة نحو 63% في مقابل 37% للموالاة. ورغم أن أحداثاً سياسية عدة جرت مذذاك، ربما تكون قد أثرت سلبًا في نسبة التأييد للمعارضة، إلا أنه من المستبعد أن تؤدي هذه الأحداث إلى قلب الأمور رأسًا على عقب. الا ان من الضروري الاشارة الى ان أي استشراف دقيق لنتائج مثل هذه الإنتخابات يحتاج الى إجراء استطلاعات جديدة لتحديد أحجام القوى المتنافسة.
الا أن ما هو شبه مؤكد، أنه في حال جرى تنافس جدي في هذه الإنتخابات بين المعارضة والموالاة، فإن نسبة المشاركة ربما تكون الأعلى في تاريخ أية انتخابات نيابية فرعية في لبنان قياسًا إلى نسبة المشاركة في الإنتخابات العامة (نسبة المشاركة في فرعية المتن عام 2002 كانت الأعلى نحو 46.1%). ويمكن الجزم، أيضاً، بأن هذه الإنتخابات، في حال خاضتها المعارضة، ستحظى بأعلى نسبة إهتمام على مستوى لبنان من شماله إلى جنوبه بسبب الإصطفاف السياسي لدى اللبنانيين كافةً.

بيروت الثانية

جرت الانتخابات في الدائرة الثانية في بيروت، عام 2005، في ظل مقاطعة قوى سياسية (ترشّحاً وانتخاباً) في مقدمها «التيار الوطني الحر»، «ندوة العمل الوطني»، حزب الطاشناق، «حزب الحوار الوطني» وغيرهم، ما أدى الى تدني نسبة المشاركة الى نحو 30.8% (نسبة المشاركة الارمنية نحو 4%، ونسبة المشاركة المسيحية نحو 17% في مقابل 30% عام 2000).
ورغم تدني نسبة المشاركة في هذه الدائرة، الا ان المعركة كانت الأكثر سخونةً بين دوائر بيروت الثلاث، بسبب كثرة المرشحين وقلة المقاعد الفائزة بالتزكية، وأيضاًَ بسبب حدة المنافسة النسبية، خصوصاً في ما يتعلق بالمقعد الأرثوذكسي الذي تنافس عليه النائب عاطف مجدلاني والنائب السابق نجاح واكيم، وكذلك في ما يتعلق بالمقعدين السنيين اللذين تنافس عليهما مرشحان من تيار «المستقبل» في مواجهة النائب السابق عدنان عرقجي ومرشح «جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية» بدر الطبش.
شُكّلت لائحة واحدة في هذه الدائرة من خمسة مرشحين فقط (اذ فاز النائب يغيا جرجيان بالتزكية)، وضمت اربعة مرشحين من تيار «المستقبل» (الشهيد وليد عيدو، بهيج طبارة، عاطف مجدلاني، نبيل دو فريج)، ومرشح «حزب الله» امين شري، كجزء من تفاهم «التحالف الرباعي»، فيما خاض الانتخابات بقية المرشحين منفردين، على رغم التعاون وتبادل الاصوات الذي تم بينهم.
وكان السلوك غير الملتزم باللائحة الائتلافية للناخبين الشيعة في هذه الدائرة ابرز المحطات في انتخابات 2005 في لبنان. اذ أدت قلة الاصوات الشيعية التي نالها مرشحو «المستقبل» الى اتهامات بـ «الغدر الانتخابي» وجّهتها قيادات من «المستقبل» الى «حزب الله»، ما دفع قيادة الحزب، وعلى رأسها الأمين العام السيد حسن نصر الله، الى القيام بحملة تجييش غير مسبوقة لمناصري الحزب للتصويت لكامل اعضاء لائحة «وحدة الجبل»، حتى لا يقع الحزب في المحظور. ومن المرجح ان النتائج غير المباشرة للسلوك الشيعي في الدائرة الثانية في بيروت ادت الى فوز كامل اعضاء لائحة وحدة الجبل في دائرة بعبدا عاليه، الأمر الذي ادى الى انتاج الاكثرية النيابية.
ولا يتوقع ان تحصل منافسة جدية على هذا المقعد في ما لو خاضت المعارضة الانتخابات الفرعية هذه، اذ ان تفوق تيار «المستقبل» كبير جداً. وفي آخر استطلاع اجراه «مركز بيروت للابحاث والمعلومات» في تشرين الأول الماضي تبين ان «المستقبل» يحظى بتأييد نحو 80% من الناخبين السنة الذين يشكلون نحو 40% من عدد الناخبين في هذه الدائرة، في حين يشكل الشيعة نحو 22% من عدد الناخبين.

* مدير «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات».