البدّاوي ـ عبد الكافي الصمد
وصول فريق أوروبي متخصّـص في إزالة الألغام والحكومة كلّفــت شــركة بمســح الأضــرار

إلى أيّ مدى يمكن اعتبار مخاوف النّازحين من مخيّم نهر البارد في تعذّر أو صعوبة عودتهم إلى منازلهم، أو تأخرها في أحسن الأحوال، حقيقية؟ وما مدى صحّة المعلومات عن أنّ هناك خططاً بديلة، بعضها جاهز، من أجل إقامة نازحي مخيّم نهر البارد، نهائياً، في مخيّم البدّاوي، بعد توسيعه وتجهيزه ببيوت سكنية منجزة، أو عودة جزء منهم إلى ما بقي من مخيّم نهر البارد بعدما دمّرت الحرب الأخيرة، جزئياً أو كلياً، مساكن وأبنية ومحال ومؤسسات تجارية كثيرة فيه؟
هذه الأسئلة التي برزت على صفيح الساحة الفلسطينة الساخن، بعد الأزمة التي لا يزال يشهدها مخيّم نهر البارد، والاشتباكات الدائرة فيه بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم «فتح الإسلام» منذ نحو شهر تقريباً، نبعت بعد تسرّب معلومات عن تحركات واتصالات بقيت طيّ الكتمان أجراها أكثر من طرف معني بالموضوع، وخصوصاً من السلطات اللبنانية ووكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وجهات عربية رسمية.
وكانت طروحات عدّة قد جرى تداولها على أكثر من صعيد أخيراً، للوصول إلى صيغة حلّ تسهّل عودة النازحين إلى بيوتهم في مخيّم نهر البارد بعد انتهاء الأزمة، مع الأخذ بعين الاعتبار مسألتين هامتين: الأولى متعلقة بالأبنية التي شُيّدت خارج حدود المخيم القديم التي حدّدتها الأونروا عند إنشاء المخيّم عام 1949، والتي بمعظمها أبنية غير مرخصة، وتمّ تشييدها فوق أراض لم تُستملك بشكل شرعي، الأمر الذي يعني أنّ هناك مشكلة قانونية ستواجه إعادة إعمار الأجزاء الجديدة من المخيّم، التي تشكّل نحو 35ـــــ40 في المئة من مساحة المخيّم بشكل عام، والتي تحولت في السنوات الأخيرة لتكون العصب الاقتصادي الرئيسي لأهالي المخيّم.
أمّا المسألة الثانية فمرتبطة بالدّمار الكبير الذي أصاب مخيّم نهر البارد، بعد مرور نحو شهر تقريباً من تعرضه للقصف المدفعي والصاروخي، وهو ما يجعل العودة الفورية للنازحين إليه محفوفة بالمخاطر والصعاب، نظراً لوجود ألغام وفخاخ كثيرة في محيطه وبداخله، فضلاً عن تضرر بناه التحتية بشكل واسع، وهو الأمر الذي دفع الأونروا إلى وضع خطّة طوارئ ستعمل على الشروع بها فور توقف الاشتباكات، من أجل العودة تدريجياً وعلى مراحل إلى المخيّم.
وفي سبيل تذليل الصعوبات المتعلقة بهذه المسألة، وصل منذ أيّام إلى فندق «كواليتي ـــــ إن» في طرابلس، حيث يقيم أفراد طاقم الأمم المتحدة في الشمال لمتابعة تطورات أزمة مخيّم نهر البارد عن كثب، فريق عمل تابع للاتحاد الأوروبي، يضمّ خبراء في مجال إزالة الألغام والفخاخ، ومعالجة الأبنية الآيلة للسقوط في المخيّم، على أن تعمل الأونروا عن طريق فريقها الخاص على إزالة الركام، وفتح الطرقات، وإصلاح البنى التحتية تدريجياً، وذلك بعد أن كلّفت الحكومة اللبنانية مهمة مسح الأضرار في مخيّم نهر البارد لإحدى الشركات الخاصةww (شركة خطيب وعلمي)، تمهيداً للمباشرة في إعادة إعماره، إذا ما اتخذ قرار بذلك .
غير أنّه قبل وأثناء مناقشة هذه المسائل، طرح أكثر من طرف لبناني فكرة منع عودة مخيم نهر البارد إلى سابق عهده، وخصوصاً بعد أن تحوّل بسبب الأزمة الأخيرة مع تنظيم «فتح الإسلام»، وكراً للإرهاب والتهريب، وبؤرة آمنة للفارين من وجه العدالة. وطرح هؤلاء إمكاني بناء مخيّم في مكان آخر يؤوي النازحين الجدد فيه، على أن يقام هذا المخيّم في قطعة أرض في بلدة تل حياة في سهل عكار، كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد وهبتها منذ سنوات عديدة إلى دار الفتوى لتكون وقفاً، غير أنّ المساحة الصغيرة لقطعة الأرض هذه، التي لا تزيد على 7 دونمات، جعل هذا الطرح غير عملي ولاغياً.

مخيّم بديل في البدّاوي

في موازاة ذلك، كانت جهات أخرى تعمل على تسويق فكرة شراء أو استئجار الأونروا ثلاث أراضٍ، تقدر مساحتها بنحو 53 ألف متر مربع، موجودة في محيط مخيّم البدّاوي، الأولى في المنطقة الواقعة مقابل «دار الأيتام الإسلامية»، والثانية خلف مستشفى «صفد» التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، والثالثة في منطقة جبل البدّاوي عند المدخل الشمالي من المخيّم، وذلك من خلال وضع بيوت ومساكن جاهزة فيها لإيواء النازحين، بعدما تبرّعت دول عربية، على رأسها السعودية والإمارات، بتقديم هذه المنازل لحلّ الأزمة، وتخفيف الاكتظاظ السكّاني الحاصل في مخيّم البدّاوي، الذي بدا يضيق بساكنيه.
غير أنّ الرفض المطلق من الفصائل الفلسطينية لهذه الطروحات جميعها، وإصرارها مع الأهالي على العودة إلى مخيّم نهر البارد، لأنّه «لا مصلحة لأحد في نكبة جديدة جديدة وتهجير جديد، أو إنشاء مخيّمات إضافية أخرى في لبنان»، حسب ما أشارت لـ«الأخبار» مصادر فلسطينية مطلعة، أوضحت أنّ «الموقف الجماعي للفصائل من هذا الأمر، جعل هذا الطرح مرمياً وراءنا، وكأنّه لم يكن». وعلى الرغم من نفي الأونروا كلّ ما يشاع حول هذا الموضوع، وعدم التعاطي بجدّية مع ما طرحه أحد نواب عكّار من أنّه مستعد لشراء مخيّم نهر البارد بكامله بعد تسويته بالأرض، فإنّ أوساطاً فلسطينية معنيّة أوضحت لـ«الأخبار» أنّ الأونروا أبدت استعدادها «للتعاون مع طرح بناء منازل جاهزة ومؤقتة، وأنّ وفداً منها استطلع قطع الأرض المقترحة، مستعيناً في سبيل ذلك بخرائط ومهندسين عرضوا له أفكاراً أولية عن الموضوع».

المساعدات

على صعيد آخر، استمرت حملات الإغاثة والمساعدات الإنسانية في التدفق على النازحين الفلسطينيين من مخيم نهر البارد، من جهات عربية ودولية عدة، شاملة في طريقها اللاجئين المقيمين في مخيم البداوي، واللبنانيين المجاورين لأماكن وقوع الأحداث، نظراً لتعرضهم لأضرار لا تقل فداحة عن الفلسطينيين، وخصوصاً في المنية وعكار وطرابلس.
ففي هذا الإطار، واصلت «الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعبين اللبناني والفلسطيني» تقديم مساعداتها للنازحين الفلسطينيين في مخيم البداوي والمناطق المجاورة له، وللبنانيين المتضررين في المناطق المحيطة بمخيم نهر البارد، حيث قامت أمس بتوزيع المرحلة الثانية من المساعدات، وهي تتضمن حمولة 17 شاحنة تحتوي مواد غذائية وملابس وأدوات كهربائية ومنزلية.
واشاد رئيس اتحاد بلديات المنية مصطفى عقل بـ«الجهود الجبارة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية وعطاءات الحملة الشعبية السعودية التي يشرف عليها صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز».
وفي الإطار عينه، تفقد القائم بأعمال السفارة المجرية في لبنان بيتر لازار يرافقه رئيس جمعية الصداقة اللبنانية ـــــ المجرية محمود شربجي، الفريق الطبي العامل في مخيم البداوي، واطلع على ما يقوم به من نشاطات وأعمال من شأنها أن تساعد على تخفيف المعاناة عن النازحين من مخيم نهر البارد والمقيمين في مخيم البداوي على السواء.
وعلى صعيد متصل، أعلنت السفارة التشيكية في لبنان أن حكومة بلادها أقرت منح «هبة بقيمة 140772 دولاراً مخصصة للمساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين»، كما قررت الحكومة التشيكية أن تزيد موازنة الأونروا لعام 2007 بقيمة 93848 دولاراً للمساعدات التطوعية المخصصة لنشاطاتها في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها لبنان.