طارق ترشيشي
ما أشبه اليوم بالبارحة...
لجنة متابعة عربية منبثقة من الاجتماع الأخير لمجلس وزراء الخارجية العرب تزور لبنان، اليوم، للمساعدة على حل الأزمة، وهي برئاسة الأمين العام للجامعة عمرو موسى وعضوية مصر والسعودية وقطر وتونس، ولا تضم ممثلاً لسوريا كاللجنة التي ألّفتها القمم العربية في بداية الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975.
آنذاك، اختيرت سوريا عضواً في لجنة المتابعة العربية ممثلةً بوزير الخارجية (نائب الرئيس لاحقاً) عبد الحليم خدام، لأن العرب وجدوا في السوري الفريق الأكثر تأثيراً في لبنان والأقدر على لجم التقاتل اللبناني ــــــ الفلسطيني واللبناني ــــــ اللبناني. الدخول السوري الى لبنان، عسكرياً وسياسياً في ربيع 1975 في إطار المبادرة العربية، ساهم في إنهاء الأزمة وتأمين انتخاب الرئيس الراحل الياس سركيس وما تلاه من إحياء للمؤسسات الدستورية، قبل أن يحصل ما حصل من صدامات وخلافات بين دمشق وقوى لبنانية وصولاً الى اتفاق الطائف وانتهاءً بخروج قواتها من لبنان في نيسان 2005.
في لجنة عام 1975 أُريد لسوريا أن تكون شريكة في المعالجة العربية للأزمة اللبنانية تحت عنوان «التعريب». أما في اللجنة الحالية فلا وجود لممثل سوري، ويجري التعاطي مع دمشق على أنها طرف في الأزمة، مما يعني أن اللجنة قد يكون في برنامجها الاتصال بالجانب السوري، وإن كان لا شي واضحاً حتى الآن في هذا الصدد، في ضوء «مضبطة الاتهام» التي حملها وزير الخارجية طارق متري الى اجتماع القاهرة، وتدخل موسى مراراً ليحول دون تلاوتها، لسببين: الأول لئلا يؤدي ذلك الى إقفال أبواب دمشق أمام المسعى العربي الجديد، والثاني، لأن الأمين العام يرى أن ما تضمنته «المضبطة» يعبّر عن وجهة نظر طرف واحد، وهو موضع شك لدى الطرف الآخر ــــــ أي المعارضة ــــــ فيما السوري ينفي كل ما ساقته من اتهامات ضده.
في عام 1975، وما تلاه، كانت لجان المتابعة العربية تزور رئيس الجمهورية وتجتمع عنده في القصر الجمهوري. أما اللجنة الحالية فستزوره وتلتقيه على أساس أنه طرف في الأزمة لأن الموالاة تتعاطى معه على هذا الأساس.
ومن المرجح أن تسعى اللجنة العربية الى تأمين توافق، أو حوار يُفضي إلى توافق، على إنجاز الاستحقاق الرئاسي. لكنّ كل المؤشرات تدل على أن النجاح لن يكون مضموناً لأن النزاع يتخطّى هذا الاستحقاق، وبات يتّخذ طابع صراع الوجود بين مشروعين متناقضين، بدليل الكلام الأخير للنائب وليد جنبلاط عن «القاتل والمقتول».
وفي ظل هذا الواقع، لن ينتظر رئيس الجمهورية إميل لحود الى أكثر من منتصف تموز المقبل، أو نهايته حدّاً أقصى، ليتّخذ ما يراه مناسباً من خطوات دستورية، في حال عدم توصل الموالاة والمعارضة الى اتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية تتولى إنجاز الاستحقاق الرئاسي ومعالجة الأزمات التي ترزح تحتها البلاد. وإذا تعذّر ذلك التوافق، فإنه ينتظر من فريق المعارضة أن يحدد خياراته المستقبلية لمواجهة الخيارات التي يتخذها فريق السلطة، وفي ضوء ذلك سيتخذ الخطوة الدستورية التي لمّح إليها مراراً.
ويعيش رئيس الجمهورية، في هذه الأيام، مخاوف حقيقية من انتقال عدوى ما يحصل في فلسطين من اقتتال الى لبنان على المستوى الفلسطيني ــــــ الفلسطيني أو على المستوى اللبناني ــــــ اللبناني، معتبراً أن من يعوق قيام حكومة وحدة وطنية هو من يسعى الى دفع البلاد نحو الفتنة والحرب الأهلية. ويلفت رئيس الجمهورية الى أن البطريرك الماروني نصر الله صفير يؤيده في إلحاحه على تأليف مثل هذه الحكومة، لكنه يحذّر من دخول البلاد في حكومتين ويدعو الى تجنّب هذا الأمر.
وفي رأي لحود أن من يدفع الى قيام حكومتين هو «الأكثرية» التي ترفض حكومة الوحدة، ولا تريد أن تصدق أن الولايات المتحدة تستعد للخروج من المنطقة بعد التقهقر الذي أصاب مشروعها، ولا تزال تراهن على أن إدارة الرئيس جورج بوش ستمكّنها من الإمساك بكل زمام السلطة في لبنان عبر نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية ــــــ السورية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية يحظى فور انتخابه باعتراف واشنطن وكل حلفائها الدوليين.