عمر نشابة
بعد الهجوم الإرهابي الذي راح ضحيته النائب الشهيد وليد عيدو وابنه وثمانية آخرون، ارتفعت حدّة المظاهر الأمنية في بيروت وتوسّع نطاقها. فتمدّدت مساحات المربّعات الأمنية وارتفع عدد سيارات المواكبة الأمنية وأصبحت مظاهر المسلحين باللباس المدني مألوفة وذكّرت بمظاهر الحرب الأهلية.
إن القاعدة العلمية في مهمات حفظ الأمن وحماية الشخصيات والتحقيق الجنائي ترتكز على اعتماد أساليب التخفّي والسرّية. وأثبتت هذه الأساليب فعّاليتها في حماية شخصيات عربية ودولية مهما بلغت قوّة الجهة المستهدفة (بكسر الدال) ومهما تعدّدت إمكاناتها وتطوّرت تقنياتها. وكانت فعّالية الحماية عبر التخفّي ناجحة إلى حد أن الرأي العام صار يشكّ في تواطؤ الشخصية المستَهدَفة مع مستهدفيها المعروفين.
قبل الدخول في تقنيات تلك الأساليب وكيفية تطبيقها لا بدّ أن نتوقّف (مرة أخرى) عند فشل الأجهزة الأمنية الرسمية وعناصر الحماية الخاصّة والشركات الأمنية والمؤسسة العسكرية في حماية المواطنين والسياسيين والإعلاميين وحتى الوزراء والنواب. وبعيداً عن الدعاية الإعلامية لأجهزة الدولة والخطابات التعبوية الداعمة للمؤسسات العسكرية والأمنية، لا لبس في اعتبار أن حكومة فؤاد السنيورة التي تترأس المؤسسات الإجرائية في البلاد بما فيها الأمنية والعسكرية، مسؤولة عن هذا الفشل، ويُتوَقَّع محاسبتها إذا اعتبرنا أن النظام اللبناني هو نظام ديموقراطي جمهوري. لقد فشل وزير الداخلية، الذي يترأس اجتماعات مجلس الأمن المركزي، في إصلاح الأجهزة الأمنية التابعة لوزارته وتطوير قدراتها العملية التي تسمح لها بحماية الناس. كما فشل وزير الدفاع في حماية الجيش الذي يخوض معارك تقليدية مع عصابة تعتمد أساليب الجريمة المنظّمة.
ذرائع الفشل الأمني
رغم تعرّض لبنان لـ23 هجوماً إرهابياً خلال عامين وقع ضحيتها أكثر من 50 قتيلاً ومئات الجرحى، يشبّه البعض أداء الأجهزة الأمنية المحلية بأداء الأجهزة الأمنية الأميركية والأوروبية ويقولون إن الولايات المتحدة فشلت في حماية مواطنيها في 11 أيلول 2001 كما فشلت بريطانيا وإسبانيا في حماية وسائل النقل العام. ويسألون «هل يُفترض بالأجهزة الأمنية اللبنانية أن تتفوّق على الأجهزة الأمنية الأوروبية والأميركية؟»
أصحاب تلك الذريعة يتجاهلون أمرين أساسيين. الأوّل هو أن تحقيقات في أسباب فشل إجراءات الحماية تبعت الهجمات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة. كما استُدعي عدد كبير من المسؤولين والضباط الأمنيين والعسكريين للاستماع الى إفاداتهم أمام المؤسسات التشريعية والقضائية. وصدرت تقارير تفصيلية تقوّم الإجراءات الأمنية المعتمدة وتقترح تغييرات في نظام الحماية من الإرهاب. وذهبت الولايات المتحدة الى حدّ إنشاء جهاز أمني محترف لـ«حماية الأمن القومي». أمّا الأمر الثاني الذي يتجاهله كثيرون فهو أن تقرير لجنة تقصّي الحقائق الذي وضعه بيتر فيتزجيرالد بُعَيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحدّث في ثلاث فقرات مختلفة عن فشل الأجهزة الأمنية العاملة في مجالي مكافحة الإرهاب والتنصّت «فشلاً ذريعاً في التنبؤ باغتيال السيد الحريري ومنع وقوع الاغتيال». ألا ينطبق هذا الفشل «الذريع» على الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية التي فشلت في «تنبؤ» اغتيال الشهداء النواب والوزراء والإعلاميين والمواطنين العاديين منذ عامين؟
استعراضات الأمن والحماية
بدل أن تراجع الأجهزة الأمنية والعسكرية أسباب الفشل في حماية الناس بطريقة مهنية ضاعفت عدد العناصر المسلّحة والدوريات العسكرية في مختلف المناطق وعلى مدار الساعة. كما ضاعفت عناصر الحماية أثناء تحرّك الأشخاص المعرّضين للاستهداف. فصار يُنْذَر بمرور الموكب الأمني في منطقة ما قبل وصوله بعشرات الدقائق بفضل انتشار العناصر الأمنية في الزي العسكري واللباس المدني واتخاذهم مواقع شبه قتالية. كما تُسمَع صفّارات السيارات العسكرية التي تعلن اقتراب الشخصية التي قد تكون مستهدفة. وعند وصول الموكب يقوم عناصر باللباس المدني الأنيق وبالنظارات الشمسية بشهر أسلحة حربية على كلّ مَن يحيط بسيارات الحماية. ولو كان هذا الموكب هو موكب الشهيد عيدو هل كان بإمكان عناصر الأمن بالنظارات السوداء والأسلحة حمايته؟
التفتيش بلا جدوى
في المحالّ التجارية والمطاعم والجامعات والمدارس وحتى الطريق العام وعلى الحواجز يعمل عدد كبير من العناصر الأمنية الرسمية والخاصّة على تفتيش المارّة والزوّار وسياراتهم. لكن التفتيش لا يتمّ بالطريقة المهنية المطلوبة إذ إن فتح صندوق السيارة لمعاينة موجوداته واستخدام المرآة للتفتيش عن «جسم غريب» تحت السيارة ليس فعّالاً وقد لا يؤدي الى كشف المتفجرّات. وسبب ذلك هو أن المتفجّرات قد لا تكون موضّبة بشكل «جسم غريب» بل بشكل أي قطعة عادية في هيكل السيارة. وينطبق ذلك الأمر أيضاً على تفتيش حقائب اليد وحتى الملابس. العبوة المتفجّرة قد تكون على شكل تلفون محمول أو كتاب أو حذاء.
أما التفتيش الإلكتروني فأكثر أجهزة كشف المواد المتفجرة المستخدمة في لبنان تعرف بـADE، ويحملها أفراد الأمن على مداخل المؤسسات التجارية السياحية ومواقف السيارات، وهي مزوّدة هوائياً صغيراً. هذه الأجهزة تكشف المواد المتفجرة من خلال الأبخرة المنبعثة منها، او من خلال الاحتكاك بالجزيئيات. تواجه هذه الأجهزة تحدياً في كشف «أجهزة التفجير الارتجالية» التي تكون معدة يدوياً، ومكوّنة في العادة من أكثر من نوع واحد من المواد المتفجرة. كذلك، فإنّ تحدياً آخر تواجهه هذه الآلات وهو أن أكثر المواد المتفجرة الحديثة هي عبارة عن مواد بلاستيكية قليلاً ما تنبعث الأبخرة منها، وخاصة في الأماكن المفتوحة، مما يصعّب كشفها.
الأمن والحماية شأنان علميان وتقنيان وليسا استعراضاً و«تشبيحاً» على الناس باللباس الأنيق و«جيل» الشعر والنظارات الشمسية والرشاشات الحربية المتطوّرة... وقد تُعجَب الصبايا بعضلات المرافقين الأمنيين لكن تلك العضلات، وللأسف، لا تحمي الأشخاص المستهدفين من الانفجارات الإرهابية.

(تقنيات الحماية والأمن بالتخفّي في عدد الخميس 21 حزيران)