عرفات حجازي
لم يضيّع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والوفد المرافق له كثيراً من الوقت والجهد لاستكشاف المواقف والشروط التي يضعها فريقا الأزمة، فهو يعرفها بتفاصيلها من خلال الاتصالات التي كان يجريها مع أركان الموالاة والمعارضة، منذ أن انقطع عن زيارة بيروت بعد إفشال مبادرته في كانون الأول الماضي.
لذلك بادر موسى، فور بدء لقاءاته أمس مع الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة إلى الانطلاق من النقطة التي انتهت عندها مساعي السفراء، وفي مقدمهم السفير السعودي عبد العزيز خوجة، للبحث عن مخرج لعقدة قيام حكومة الوحدة الوطنية التي سلّم الطرفان بها مدخلاً للحل وتحقيق الاستقرار، شرط أن تعطى المعارضة ضمانة الثلث المعطّل والأكثرية ضمانة ألّا يحصل فراغ حكومي أو رئاسي.
وما عزّز من فرص نجاح مهمة الوفد العربي النافذة التي فتحها تبادل الرسائل الودّية بين بري والسنيورة واتفاقهما على أهمية قيام حكومة وحدة وطنية على أسس سياسية واضحة بعيداً من لعبة الأرقام، ووجوب قيام حوار مسبّق للاتفاق على برنامجها، والدخول مباشرةً في نقاش حول المواضيع المثارة، وهو ما يدخل، وفق رؤية رئيس المجلس، في صلب مهمة الوفد العربي الذي من وظيفته إنجاز تفاهم يتوّج بلقاء ترعاه الجامعة العربية.
واذا كانت مواقف بري والسنيورة أوحت بتسهيل المهمة العربية، فإن تركيز بعض أقطاب «الأكثرية»، وخصوصاً النائب سعد الحريري، على الاستحقاق الرئاسي ووضع حد لـ «الإرهاب السوري» وضبط الحدود السورية واعتبار أن النقاش في موضوع حكومة الوحدة بات من الماضي، أثار الشكوك مع بدء التحرك العربي، علماً بأن السفراء العرب والأجانب أبلغوا أطراف النزاع أن حكومة الوحدة هي الممرّ الطبيعيّ الآمن إلى الاستحقاق الرئاسي وبوابة الولوج إلى معالجة كل مظاهر الأزمة الداخلية، أما التركيز على الإرهاب وضبط الحدود، فترى فيه المعارضة مقدّمة للوصول إلى مجلس الأمن والحصول على قرار دولي لنشر قوات دولية على الحدود مع سوريا، مع كل ما ينطوي عليه هذا الموقف من تحدٍّ وتصعيد يؤشر صراحة إلى إسقاط مشروع حكومة الوحدة الوطنية وإمكان التوافق على الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما يدفع المعارضة إلى العودة إلى التلويح مجدداً بالبدائل التي ستلعبها، كورقة أخيرة، بعد استنفاد كل الوساطات والمحاولات وفقدان الأمل من فتح المسار المؤدي إلى الحوار والوفاق والتفاهم.
وفي سياق متصل، فإن موسى لم يبدّل نظرته إلى الوضع اللبناني، وهو صاحب نظرية طوابق البناء اللبناني الداخلي والعربي والإقليمي والدولي، فإذا نجح في إنجاز التوافق في الطبقة اللبنانية سيطوّر مهمته الى القيام باتصالات عربية يبدأها في دمشق، في جهد مركّز على تصحيح العلاقة اللبنانية ــ السورية التي تحوّلت بفعل تراكم الاتهامات والاستفزازات والتحديات إلى عداء مستحكم يُنذر بمخاطر كبيرة لن تكون في مصلحة أحد، وبالتالي فإن الوفد سيعرض على الجانبين صيغة لفتح حوار هادئ يزيل الهواجس وينتهي بإعادة أجواء الثقة وقيام تعاون لضبط الحدود ووقف الحملات الإعلامية.
ولأن أوراق الحل لم تعد في الداخل، بل في عهدة أطراف إقليمية ودولية تتصارع على لبنان وفي ساحته، فإنّ التحرك على المستويين الإقليمي والدولي يحتاج إلى مستويات أرفع، وهي مهمة تولّتها الرياض حيث سيكون الملف اللبناني، غداً، أولوية في لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للتفاهم على رؤية مشتركة لتذليل العقبات التي تعترض مسيرة الحل اللبناني، كما أن باريس ستكون مركزاً للاتصالات العربية ــ الأميركية، اذ تزورها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الأحد المقبل في طريقها إلى الشرق الأوسط.
العامل الأميركي يبقى الأكثر تأثيراً في قرار الغالبية النيابية وصولاً إلى الزيارة التي سيقوم بها السنيورة لباريس في 26 الشهر الجاري. وعلى المستوى الإقليمي يجري التحضير للقيام بجهد سعودي ـــ إيراني مشترك أثناء زيارة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى طهران لدفع القوى السياسية إلى تفاهم على موضوع حكومة الوحدة الوطنية والاستحقاق الرئاسي معاً، وينقل زوّار طهران ارتياح القيادة الإيرانية للتعامل مع المملكة، وأن التعاون بينهما صادق وجدّي، وقد أنتج تحركهما في الماضي احتواءً لخلافات مذهبية بين السنة والشيعة، وأن الاتصالات مستمرة بين البلدين لوضع الأسس الواضحة لصيغة حلٍ للأزمة.
وسط هذه الظروف الصعبة بتعقيداتها وتداخلاتها يحاول المسعى العربي دفع الأطراف اللبنانيين إلى الحوار، وهو بقدر ما يفرض العجلة، بقدر ما يتطلّب الحسم لأنه يخشى مع مرور الوقت أن تجري مياه، بل دماء، كثيرة تحت الجسور المتصدعة بين المعارضة والموالاة، وعندئذ تصبح الوساطات مستحيلة ويصبح خطر «العرقنة» ماثلاً.
لا غالب ولا مغلوب:
ثلث معطّل للمعارضة مقابل ضمانات للأكثرية في شأن الاستحقاق الرئاسي