باريس - بسّام الطيارة
عبارة الجنرال شارل ديغول «آه من هذا الشرق المعقّد» يتردد صداها، هذه الأيام، في أروقة الـ«كي دورسيه»، حيث يسود الارتباك الدبلوماسية الفرنسية، بعدما بدا أن مبادرة الحوار اللبناني التي أطلقها وزير الخارجية برنار كوشنير تلفظ أنفاسها الأخيرة.
فقد رأى الناطق الرئاسي الفرنسي دافيد مارتينو، أمس، «أن من المبكر جداً الحديث عن مبادرة، وإذا تمت يكون ذلك بداية خروج من الأزمة». إلا أن الحديث في الأوساط الدبلوماسية يجري عن «ممانعة» قوية للمبادرة من قوى مؤثرة إقليمياً وعلى الساحة اللبنانية، ما جعل منها «ميتة قبل ولادتها».
وصرح مصدر مقرب من دوائر القرار بأن أي قرار في شأن الحوار المرتقب «لن يتخذ إلا بعد درس حصيلة اللقاءات» التي عقدها ويعقدها المبعوث الفرنسي جان كلود كوسران.
وعلى رغم نفي الناطق باسم الخارجية جان باتيست ماتيي، أمس، أن تكون باريس في صدد إرجاء موعد اللقاء، إلا أنه استطرد بأن «أي قرار لم يتخذ بعد»، مشدداً على أن فرنسا «لا تزال في طور التشاور».
ويرى مراقبون في ذلك تغييراً يعبر عن «تصور سلبي لما يمكن أن تنتهي إليه المبادرة، وخصوصاً أن موعد نهاية الشهر الذي أشير إليه مراراً كموعد محتمل للقاء في ضاحية باريس بات غير مؤكد في ضوء تصريح ماتيي الذي قال: «لم نحدد موعداً لللقاء ولا توجد لائحة بالمشاركين».
وتزامن ذلك مع تأكيد مصادر في الخارجية أن زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى باريس في ٢٦ من الشهر الجاري، «تتجاوز بكثير إطار المبادرة الفرنسية»، وترمي إلى «إظهار دعم فرنسا للبنان وللسلطات اللبنانية ورئيس الوزراء»، لافتاً إلى أن السنيورة «سيُستقبل على أعلى مستوى».
ورغم امتناع المصادر عن الإشارة إلى من يقف وراء العوائق التي تصدّت للمبادرة، يلمّح البعض إلى أن الاستقبال الفاتر الذي لقيه كوسران من قوى الأكثرية «لا يمكن إلا أن يكون مستنداً إلى رفض واشنطن والرياض» إعطاء باريس دوراً «يسابق الأجندة الخاصة»، والتي يبدو أن ساركوزي ليس حتى الآن في أسرارها.
ويشدد أحد القريبين من الملف اللبناني أن «كوشنير أطلق مبادرته اعتباراً من أن عقدة المحكمة وجدت حلاً»، وهو الاعتقاد الذي كان سائداً في بعض الأوساط الباريسية. في حين «نصحت أوساط أخرى ساركوزي بالتحفظ»، وهذا ما يفسر تشديد المصادر الفرنسية المعتمدة في بداية انطلاق المبادرة على «نسبها لكوشنير».
ويرى البعض أن التغيير الذي حصل في اليومين الأخيرين لا يعود فقط إلى تصاعد الممانعة تجاه المبادرة، وإلى بروز عقدة الانتخابات الفرعية بعد اغتيال النائب وليد عيدو، بل إلى اتصالات عالية المستوى بين الرياض وواشنطن جعلت من الضروري التوقف و«تقطيع الوقت» بانتظار لقاء الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وساركوزي غداً، وفي انتظار القمة الأوروبية التي لن تستطيع تجاوز ملفي لبنان وفلسطين، وكذلك زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لباريس في 25 الجاري. وبذلك تكون «عواصم القرار» في الملف اللبناني قد تشاورت على أعلى مستوى لاتخاذ قرار بالخطوات التالية.
ويؤكد المراقبون أن ساركوزي فضّل التراجع عن «المجابهة» في قضية المبادرة، وخصوصاً أنه يواجه، للمرة الأولى، منذ وصوله إلى الإليزيه «موجة سلبية» تمثلت في نتائج الانتخابات النيابية، كما أن طروحاته الليبرالية بدأت تشغل الأوساط الشعبية وأوساط المال، إضافة إلى استعداده لمفاوضات صعبة تتعلق بالدستور الأوروبي الجديد.
من هنا، يرى البعض أن الملف اللبناني، وإن كان مهماً بالنسبة لباريس، فإن أهميته تتراجع في هذه الظروف وخصوصاً في ظل ممانعة أطراف كانوا حتى فترة قصيرة مضت من أشد حلفاء باريس في هذا الملف. ويتفق هؤلاء أنه «حفظاً لماء وجه فرنسا» وفي حال «الاتفاق أو عدم الاتفاق» يمكن «دعوة بعض المثقفين والمفكرين» من مختلف التيارات على الساحة اللبنانية، للاجتماع والتداول في باريس. ورداً على سؤال حول هذا الاحتمال، وعما إذا كان ذلك يرفع أو يخفض مستوى اللقاء أجاب جان باتيست ماتيي «أترك للجميع تقدير ما إذا كانت دعوة مثقفين بدلاً من رجال سياسة ترفع المستوى أو تخفضه»، مكرراً أن الهدف يبقى «جمع ممثلين عن قوى تتمثل في اللقاء الوطني».