غسان سعود
مصادر رئيس الجمهورية: لا يجوز الحديث عن ازدواجية لأن لحود سيقيل الحالية قبل التكليف

مع دعوة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الهيئات الناخبة في بيروت والمتن إلى الانتخابات الفرعية لاختيار نائبين عن المقعدين اللذين شغرا باغتيال الوزير بيار الجميل والنائب وليد عيدو، حتى من دون توقيع رئيس الجمهورية إميل لحود على المرسوم، بدا أن الأمور تقترب أكثر من إقدام الأخير على إقالة الحكومة وتعيين ثانية، ما يتخوف معه المعنيون من دخول البلاد نفق الحكومتين الذي يحذِّر كثيرون من مخاطر الوصول إليه.
واذا كان اللبنانيون قد خبروا معنى الحكومتين نهاية الثمانينيات مع العماد ميشال عون والرئيس سليم الحص، إلا أن الأمور يومها كانت أكثر وضوحاً بسبب الانقسام الجغرافي ـــــ الطائفي الذي كان يمكّن من تحديد الحدود الجغرافية لسيطرة كل منهما، وهو ما ليس ممكناً اليوم بسبب تبدّل التحالفات وتداخلها بين الطوائف. لذلك يتساءل كثير من اللبنانيين، بقلق، عن معنى وجود الحكومتين وعن سلطة كل منهما.
مستشارو رئيس الجمهورية يتجنبون كشف تفاصيل رؤيتهم القانونية والسياسية لأبعاد هذه الخطوة. ويكتفي أحدهم بالجزم بأن الكلام على حكومتين «لا يجوز، لأن الرئيس سيعمد قبل تعيين حكومة جديدة إلى حل الحكومة القائمة اليوم استناداً إلى مواد قانونية تعلن في حينه». أما المعارضة فلم تحسم موقفها بعد من هذه الخطوة، على رغم تشجيع كثيرين من أقطابها الرئيس إميل لحود على «القيام بواجبه كحامٍ للدستورإلا أن كبار رجال القانون المؤيدين للمعارضة يجمعون على عدم وجود سند قانوني يدعم إعلان رئيس الجمهورية حل الحكومة القائمة اليوم وتعيين أخرى بديلة منها. ويشدد رئيس مجلس شورى الدولة السابق يوسف سعد الله الخوري على «استحالة وجود حكومتين وفقاً للدستور»، موضحاً أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة «لا تزال موجودة بحسب النص، ولا يمكن اعتبارها مستقيلة لأنها تحظى بالشرعية رغم عدم مشروعيتها»، علماً بأن انقضاء ولاية رئيس الجمهورية من دون تعيين حكومة جديدة أو انتخاب خلف له يفرض، وفق المادة 62 من الدستور، أن «تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».
ولا تبدو المعارضة غافلة عن هذه المعضلة الدستورية، إذ يقول أحد قيادييها، من دون تردد، إن «ثمة مرادفاً وحيداً لتشكيل حكومة الثانية هو: الفوضى». فيما لا يخفي قياديون في الموالاة تفاؤلهم بـ«حسم الصراع لمصلحتهم بفعل انسداد الأفق السياسي والقانوني في وجه المعارضة». ويؤكد النائب في كتلة «القوات اللبنانية» أنطوان زهرا أن حكومة السنيورة «ماضية في ممارسة عملها كاملاً حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون الاكتراث بمخالفة لحود الدستور إذا قرر حل الحكومة الحالية وتأليف أخرى».
إلا أن ذلك لا يعفي المواطن العادي من طرح أسئلة عن الوجهة التي ستأخذها الأمور إذا أقدم لحود على تنفيذ تهديده، إذ إن ذلك يعني، عملياً، أنه سيكون لكل وزارة وزيران، فمن منهما سيتولى تسيير شؤون الوزارة وتيسير أمور المواطن؟
تفرض تجربة حكومتي عون والحص نفسها، بقوة، على سيناريوات الحكومتين، وخصوصاً أنها الوحيدة في تاريخ لبنان، علماً بأن صلاحيات رئيس الجمهورية يومها (قبل الطائف) كانت غير صلاحياته اليوم، وهو ما مكّن الرئيس أمين الجميل، آنذاك، من تعيين عون رئيساً للحكومة قبيل نهاية ولايته، بموجب مرسوم جمهوري في 22 أيلول 1988، منهياً بذلك أعمال حكومة الحص. لكن، بعد قرار الحص العودة عن استقالته، مارست الحكومتان أعمالهما، وقدم سفراء عديدون في مقدمهم الأميركي جون مكارثي أوراق اعتمادهم إلى حكومة الحص، الأمر الذي شكل مقدمة دولية يومها لقطع المصرف المركزي الأموال عن العسكريين المؤتمرين بأوامر عون، وعن المشاريع في المنطقة الشرقية.
ويرى الوزير السابق جوزف الهاشم (المستقيل يومها من حكومة الحص) أن معطيات الظرف الراهن مختلفة، مشيراً إلى أن الحص، في تلك المرحلة، «ترأس حكومة صورية لم تمارس عملها فعلياً، لكنها كرست المنطق التقسيمي الذي كان سائداً ومهدت لإجبار الأطراف المختلفة على الجلوس إلى طاولة الحوار لإنهاء الواقع المأساوي». ويعرب الهاشم عن اعتقاده بأن الكلام على حكومة ثانية «تهويلي، إذ ما من أحد يتحمل مسؤولية خطوة كهذه يترتب عليها انقسام عمودي يطال الجيش والقوى الأمنية والمصرف المركزي والموظفين كافة». ويجزم الكتائبي المخضرم بأن «شريحة كبيرة من المعارضة ستعارض هذه الخطوة التقسيمية، وخصوصاً أن خطة المعارضة عملت منذ بدء تحركها على تفادي الوصول إلى التقسيم».
ويسأل أحد زملاء الهاشم الكتائبيين عن هوية «القطب السني الذي يقبل بمغامرة ترؤس حكومة ثانية»، مشيراً إلى أن القيادات السنية المعارضة تتجنب الظهور كرأس حربة في الصراع القائم اليوم.
أما القوات المسلحة، فإن ما يتردد بقوة هو أن قرار قيادة الجيش سيكون بسحب العسكريين إلى ثكناتهم إذا مضى أهل السياسة في تعزيز انقسامهم بحكومتين». وترى أوساط في هذا القرار حلاً وحيداً لمنع انقسام الجيش وتشرذمه في حال انحياز القيادة لأحد طرفي الصراع. غير أن أجهزة أمنية أخرى قد لا تقف على الحياد «لأن واجب المؤسسات الأمنية السهر على احترام الدستور والدفاع عن الشرعية، لا تغطية قرار الفوضى وتسهيل اندلاعها». أما في ما يتعلق بالمصرف المركزي، فاكتفت مصادر بالتأكيد «أن الأسلوب المعتمد في الدفع للموظفين حالياً يسمح بإعطاء كل صاحب حق حقه».
وتؤكد مصادر متابعة أنه لن يتغير شيء بالنسبة إلى غالبية المواطنين، «فالحكومة الجديدة لن تقدم على تعيينات تعوق العمل الإداري. والانعكاس العملي للحكومة الثانية، التي لن تحظى بدعم دولي، سينحصر بالضغط للتوصل إلى حل يضع حداً للانقسام، متى حان وقت التسوية».