طرابلس ـ عبد الكافي الصمدنهر البارد ـ نزيه الصديق

الانقسام الفلسطيني يصعّب مهمّة العلماء والجهاد الإسلامي تبحث تسليم 60 جريحاً من المسلحين


بمعزل عمّا أسفر عنه من نتائج اللقاء الذي عقد قبل ظهر أمس بين قيادة الجيش اللبناني ووفد «رابطة علماء فلسطين»، في مقرّ وزارة الدفاع في اليرزة، فإنّ ما يُترجم على أرض المعركة الدائرة رحاها في مخيّم نهر البارد بين الجيش ومسلحي تنظيم «فتح الإسلام»، يشير إلى أنّ أيّ مسعى للحلّ لا يتضمن تلبية شروط الجيش وتنفيذها لن يُكتب له النجاح.
فالتقدّم البارز الذي حقّقه الجيش في الأيام الأخيرة سمح له بعدما تمكّن من الإطباق على المواقع الرئيسية في المخيّم، بالتحكّم بحرّية في مسار المفاوضات التي تجريها معه رابطة العلماء، وأطراف فلسطينية ولبنانية أخرى، وفرض شروطه كاملة فيها، في إشارة واضحة إلى من يعنيهم الأمر بأنّه قادر على تحقيق أهدافه عن طريق الحسم العسكري، وأنّه لن يرضى بأقلّ من ذلك عبر سلوك طريق الحلّ السياسي والسلمي.
وبدا هذا الانطباع واضحاً بعدما التقى وفد رابطة العلماء بمدير المخابرات في الجيش العميد جورج خوري، بدلاً من التقائه قائد الجيش العماد ميشال سليمان كما كان متوقعاً من جانب الرابطة، التي أوضح الناطق باسمها وعضو الوفد الشيخ محمد الحاج لـ«الأخبار» أنّه تمّ وضع العميد خوري «في صورة الاتفاق الذي توصّلنا إليه مع حركة «فتح الإسلام»، وأنّه سيرفع نصّ هذا الاتفاق إلى قيادة الجيش، التي ستطّلع عليه قبل أن تعطي ردّاً نهائياً بخصوصه»، مشيراً إلى أنّنا «لم نأخذ موعداً نهائياً منه للردّ سلباً أو إيجاباً على الاتفاق».
انطلاقاً من هذه الحيثيات، أوضحت مصادر سياسية مطلعة على أجواء الاتصالات القائمة، والتطوّرات الحاصلة على أرض المخيّم، أنّ الضربات الموجعة التي تلقتها الحركة في الأيّام الأخيرة، جعلت قدراتها القتالية تتراجع كثيراً، بعدما تدنّى إلى حدّ كبير مخزونها من السلاح والعتاد، إثر مقتل عدد كبير من كوادرها وعناصرها، أو تعرّضهم لإصابات بالغة، أو وقوعهم في الأسر، عدا عمّا أشيع عن فرار بعضهم خارج المخيّم، إمّا عن طريق البحر خلال الأيّام الأولى من الاشتباكات، أو من خلال التسلّل عبر البساتين المحيطة بالمخيّم، أو عبر مجرى نهر البارد، عند المدخل الجنوبي من المخيّم، وهو الأمر الذي دفع الجيش إلى القيام بعمليات تمشيط دائمة لمجرى النهر، إضافة إلى استخدامه أخيراً الطوّافات العسكرية في هذه العمليات، وإن كان ليلاً». وشدّدت هذه المصادر على أنّ «ما بقي من مسلحين تابعين للحركة داخل المخيّم لا يتجاوز عددهم المئة»، مشيرةً إلى أنّ أغلبية الللبنانيين منهم إمّا قتلوا أو أصيبوا أو استطاعوا الفرار خارج المخيّم على فترات متقطعة خلال فترة الاشتباكات، فيما لجأ المسلحون الفلسطينيون المنضوون في صفوفها إلى تنظيمات فلسطينية داخل المخيم، بهدف تأمين غطاء حماية لهم، أمّا الذين يحملون جنسيات عربية منهم، وهم العقدة الأساسية في الموضوع، فقد قتل عدد كبير منهم، ومن بقي يرفض تسليم نفسه، عدا عن أنّ احتمال فراره اليوم خارج المخيم دونه الكثير من الصعوبات والمخاطر».
وتوازياً مع النّكسات العسكرية وتراجع القدرة القتالية في صفوف الحركة، أدّت الغارة التي شنّتها طائرة «غازيل»، مساء أول من أمس، على أحد مراكز «فتح الإسلام» داخل المخيّم القديم، حسب ما أوضحت مصادر أمنية لـ«الأخبار»، إلى مقتل ما لا يقل عن 20 مسلحاً كانوا قد لجأوا إليه، وهو أمر مثّل دلالة على أنّ لجوء مسلحي الحركة إلى المخيّم القديم لن يُشكّل حماية كافية لهم، نظراً لما تتميز به أبنيته من هشاشة وضعف، إضافةً إلى كونه مكشوفاً بالكامل أمام نيران مدفعية الجيش المطلة عليه، عدا عن أن أزقته الضيّقة لا تسمح لمسلحي الحركة بالتحرّك والمناورة بحرّية في مواجهة الجيش.
غير أنّ التطوّر السياسي الأبرز الذي سجّل مؤخراً على هذا الصعيد، هو ما يمكن وصفه بـ«انفراط» عقد اللجنة السباعية الفلسطينية، التي لم تعقد أيّ اجتماع لها منذ أيّام، كما ألغي اللقاء الذي كان متوقعاً عقده بينها وبين رابطة العلماء، بسبب رفض ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عبّاس زكي، أحد أعضاء اللجنة، الالتقاء بممثل حركة «حماس»، بعد القرار المركزي الذي اتخذته حركة «فتح» بقطع كلّ الاتصالات بـ«حماس»، إثر التطوّرات التي شهدها قطاع غزة أخيراً. إلا أنّ الأمل الباقي في هذا المجال، يتمحور حول ما يمكن أن تسفر عنه الجهود التي تبذلها حركة «الجهاد الإسلامي»، وخصوصاً في ما يتعلق بنقطتي تسليم 60 جريحاً من المسلحين إلى الجيش اللبناني، إضافةً إلى تسلّمها أسلحة المسلحين تمهيداً لتسليمها إلى الجيش أيضاً، فيما تبقى مسألة استسلام المسلحين إلى السلطات اللبنانية نقطة تجاذب حادّة، لا يقبل الجيش دونها بديلاً، فيما يصرّ المسلحون على أنّ «الاستشهاد» يبقى الحلّ الأمثل لهم، أمام ما يتوقعون أنّه سيكون بانتظارهم من تحقيقات ومحاكمات وإدانات.
وعلى الصعيد الميداني، استمرت المعارك على عنفها وشدتها، لليوم الثاني والثلاثين على التوالي، وتحديداً في المناطق الواقعة على التخوم الفاصلة بين المخيمين الجديد والقديم، إضافةً الى توسّع رقعة الاشتباكات باتجاه وسط المخيم القديم والمدخل الجنوبي.
وأعلن ضابط في الجيش أنّ «كل مواقع فتح الإسلام في المخيم الجديد سقطت ويمكن أن نقول إن المعارك انتهت في تلك المواقع».
وأشارت المعلومات القليلة الواردة من داخل المخيم، إلى أن معارك عنيفة دارت منذ صباح أمس في حي المهجّرين الواقع على تخوم المخيم القديم، حيث عمل المسلحون خلال الأيام السابقة، في ما يبدو، على إحداث أنفاق وممرات في الطوابق السفلى من الأبنية الموجودة في الحي، الأمر الذي يسهّل تنقّلاتهم فيها، وقيامهم بمحاولات التفاف وتسلل باتجاه مواقع الجيش، وهو الأمر الذي يعالجه الجيش ويردّ عليه بالشكل المناسب.
إضافةً إلى ذلك، فقد شهد المخيم القديم اشتباكات عنيفة أمس، وتحديداً من ناحية المحور الجنوبي والشرقي، حيث دارت الاشتباكات قرب مسجدي الحاووز وخالد بن الوليد، فيما تشارك المدفعية الثقيلة بتأمين غطاء كثيف من النيران بشكل يسهّل حركة تقدم عناصر الجيش باتجاه أحياء المخيم التي يضع يده عليها، حيث يعمل فوج الهندسة على تمشيطها وتنظيفها حيّاً بحيّ من الألغام والفخاخ، في ظل معلومات عن أن المسلحين لم يوفّروا حتى علب السردين من التفخيخ!
وكانت المدفعية الثقيلة التابعة للجيش قد دكّت وسط المخيم القديم وجنوبه، وتحديداً في السوق التجارية وفي أحياء صفوري وسعسع وجنوب مدارس الأونروا، وحارتي غنيم وعبد العال، حيث لا تزال هناك جيوب للمسلحين الذين يعملون على استهداف مواقع الجيش برصاص القناصة وقذائف الهاون، فضلاً عن محاولاتهم التسلل والفرار عبر المدخل الجنوبي، وهو الأمر الذي يعمل الجيش على منعه، ويقوم في موازاة ذلك بقصف مركز للأماكن التي يشتبه في احتمال تسرب المسلحين منها، ما جعل خسائر بشرية هامة تقع في صفوفهم.
على صعيد متصل، عزز الجيش اللبناني مواقعه في الأماكن التي سيطر عليها في أنحاء المخيم الجديد الذي أصبح بشكل كامل في يده، وأقام المتاريس ورفع الدشم، عدا عن رفعه العلم اللبناني في معظم الأمكنة التي يسيطر عليها، كدلالة رمزية هامة على تقدمه وتقهقر المسلحين إلى وسط المخيم القديم. كما أدخل الهلال الأحمر الفلسطيني إلى المخيم شاحنة محملة بالمواد الطبية والغذائية.