طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
لم توح الأجواء التي أعقبت اجتماع وفد «رابطة علماء فلسطين» مع قيادة الجيش، أول من أمس في وزارة الدفاع في اليرزة، باحتمال التوصل إلى حلّ سياسي قريب في مخيّم نهر البارد، يضع حدّاً للاشتباكات الدائرة فيه بين الجيش ومسلحي حركة «فتح الإسلام» منذ 20 أيّار الماضي.
وتبدّت هذه الأجواء من خلال ما أوضحته مصادر في رابطة العلماء لـ«الأخبار» من أنّ قيادة الجيش ما تزال تصرّ على مواقفها وشروطها نفسها التي أعلنتها منذ البداية، وتحديداً تسليم مسؤولي الحركة الرئيسين (شاكر العبسي، وأبو سليم طه، وشهاب قدّور «أبو هريرة» وغيرهم) أنفسهم مع أسلحتهم إلى الجيش، وحلّ الحركة نفسها نهائياً، وهو يقابل بإصرار مماثل من الطرف الآخر الذي يرفض قطعاً مبدأ التسليم، وإن بدرت منه مرونة حيال النقاط الأخرى، مثل تسليم الأسلحة والجرحى إلى «حركة الجهاد الإسلامي»، على أن تعمل الأخيرة على تسليمهم إلى الجيش لاحقاً.
وعلى الرغم من أنّ الرابطة ما تزال تنتظر ردّ الجيش على خطتها التي عرضتها عليه، والتي تصرّ الرابطة على التكتم عليها من أجل عدم إفشالها، فإنّ مصادر الرابطة أعلنت عن ترقبها إعلان «فتح الإسلام» وقف إطلاق النار من جانب واحد، تعبيراً عن حسن نيتها تجاه المبادرات المطروحة، لافتة في موازاة ذلك إلى أنّ «دخول وفد من الرابطة إلى المخيم قبل وصول ردّ الجيش أمر غير وارد، أقله حتى الآن، إلا إذا طرأت تطورات تستدعي ذلك».
وتقاطعت هذه المعلومات مع ما أشارت إليه جهات فلسطينية تعمل على خط الوساطات والمبادرات القائمة، من أنّ «تجاوب مسؤولي الحركة مع هذه الطروحات ليس جديداً، بل ظهر بوضوح منذ تسلم القائد الميداني الجديد في الحركة شاهين شاهين مهمة التواصل مع القائمين بمهام المبادرات»، لافتة بالمقابل إلى أنّ عناصر من «حركة الجهاد الإسلامي» كانوا يسهّلون مهمة الوفد داخل المخيم بهذا الخصوص، وأنّ حركة الجهاد أبلغت من يعنيهم الأمر أنّه إذا لم يتمّ التوصل إلى حلّ سياسي لإنهاء الأزمة في غضون 48 ساعة، فإنّها ستسحب يدها من الموضوع برمّته».
ويأتي هذا الموقف لحركة الجهاد متزامناً مع ما أعلنته مصادر مقربة من حركة «فتح» في الشمال، تعليقاً على اقتراح تشكيل قوة أمنية فلسطينية مشتركة من فصائل منظمة التحرير وفصائل قوى التحالف، من أنّ «هذا الموضوع لم يعرض علينا ولم يُناقش معنا، وعندما يعرض سندرسه ونردّ عليه في الوقت المناسب»، نافية في موازاة ذلك أن يكون الجيش قد «طلب منّا أيّ شيء لمساعدته عسكرياً أو لوجستياً لإنهاء حالة «فتح الإسلام» في مخيّم نهر البارد».
غير أنّ أوساطاً فلسطينية مطلعة عبّرت لـ«الأخبار» عن تشاؤمها من إمكان التوصل إلى حلّ قريب لأزمة مخيم نهر البارد، نظراً «للانقسام الحاصل على الساحة الفلسطينية حيال التعاطي مع ملف «فتح الاسلام»، خصوصاً بعد انتقال تداعيات صراع حركتي «فتح» و«حماس» من الضفّة الغربية وقطاع غزة إلى لبنان، وهو ما تبدى في انفراط عقد اللجنة السباعية الفلسطينية التي كانت مكلفة التوصل إلى صيغة حلّ لأزمة مخيم نهر البارد».
وإذ لفتت هذه الأوساط إلى أنّ «الانقسام السياسي المشابه على الساحة اللبنانية قد عقّد المشكلة أكثر، فإنّها لم تخف قلقها حيال فكرة دخول الجيش إلى المخيم القديم في نهر البارد، نظراً لما سيسبب ذلك من خسائر في صفوف المدنيين والجيش على السواء».
وأعربت هذه الأوساط عن اعتقادها أنّ «حلّ هذا الموضوع هو بيد الجيش وحركة «فتح الإسلام» لا غير، فرابطة العلماء وإن كانت تبذل جهداً مشكورة عليه، إلا أنّها لا تمثل ثقلاً على الارض، فيما التنظيمات الفلسطينية الأخرى التي تمثل هذا الثقل، والتي يمكنها أن تؤدي دوراً فعالاً في هذا السياق، مشلولة حركتها كليّاً بسبب الخلاف القائم بين حركتي «فتح» و«حماس».
إلا أن هذه الأوساط عبّرت عن عدم تفاؤلها بإمكان التوصل إلى أيّ حلّ، لافتة بلهجة بالغة الحذر والقلق إلى أنّ «الأمور وصلت إلى قمّة الأزمة، وأنّ أمر انفجارها لم يعد بعيداً إذا لم يصر إلى الخروج سريعاً من عنق الزجاجة، وإذا تعقّدت الأمور أكثر فإنّ قصّة مخيّم نهر البارد ستصبح عندها خبراً ثانوياً».