طارق ترشيشي
لا يبدو رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، ولا المعارضة، في وارد استعجال الذهاب الى خيار الحكومة الثانية لمنازلة فريق الأكثرية على مستقبل السلطة بعد انتهاء ولاية لحود في 24 تشرين الثاني المقبل. إذ لا يزال هناك متسع من الوقت قبل دخول البلاد في المدار الدستوري للاستحقاق الرئاسي، وهو ما من شأنه أن يدفع الموالاة والمعارضة الى الرهان على نجاح المساعي العربية وغيرها في الوصول الى حل للأزمة، وفي الوقت نفسه الرهان على خيارات أخرى إذا فشلت هذه المساعي.
قبل أيام كانت المعارضة مستعجلة الذهاب الى خيار الحكومة الثانية، ودار نقاش في صفوفها، وصل في بعض المراحل الى حد التناقض والتعارض بين أركانها، قبل أن يقتنعوا بوجهة نظر رئيس مجلس النواب نبيه بري القائلة بأن أوان اللجوء الى هذا الخيار لم يحن بعد، وأن لا مصلحة للمعارضة بأن تُتهم الآن بالعمل على تقسيم مؤسسات الدولة وسلطاتها، وهو اتهام يمكن الأكثرية أن تستفيد منه وتنظّف «سجلها الدستوري» من المخالفات التي ترتكبها منذ استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة في 11 تشرين الثاني الماضي.
واعتقد بعض أركان المعارضة بأن بري أراد، عندما أبلغ إليهم عدم تأييده الدخول في خيار الحكومتين الآن، إبعاد نفسه عن دائرة تلقي كتلة النار، حتى إن البعض راح يطرح علامات استفهام حول حقيقة موقفه، قبل أن يقر الرأي، في النهاية، على ترك الكلمة الفصل في عهدة رئيسي الجمهورية والمجلس، على أن يبدأ التفكير في خيار تأليف حكومة جديدة بعد 23 أيلول المقبل، موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، في حال عدم التوصل الى اتفاق مع الأكثرية على حكومة وحدة وطنية تتولّى إنجاز الاستحقاق الرئاسي ومعالجة كل الملفات الخلافية.
وفي ضوء هذا الواقع، فإن تناقض الخيارات والرهانات بين الموالاة والمعارضة جعل مهمة وفد جامعة الدول العربية تسير في حقل من الأشواك، مما لا يبعث على توقع نجاحها، وهو ما دفع بعض السياسيين الى القول إن الوفد جاء الى بيروت للوقوف على حقيقة المرحلة التي بلغتها الأزمة، وهل اقتربت من الانفجار، أم إنه لا يزال هناك إمكان لتلافي هذا الانفجار عبر الاستمرار في دبلوماسية هادئة تؤدي الى تدوير الزوايا وتحقيق الحل المطلوب؟
ويقول أحد السياسيين، في معرض تخوّفه من فشل الوساطة العربية المتجدّدة، إن معالجة الأزمة لا تحتاج الى كل هذا الوفد الفضفاض الذي لا يتحمّل التزام كتم الأسرار، بل الى دبلوماسية ضيقة تعتمد السرية عنصراً أساسياً لتوفير فرص النجاح، ولا تعتمد «دبلوماسية المآدب» التي غالباً ما تضيع معها المهمات والقضايا.
ويوضح أن موسى كان، ولا يزال، منسجماً مع نفسه ومع الواقع، فهو لم يقل إنه يحمل عصا سحرية، واعترف بأن الوضع اللبناني محفوف بالمخاطر، وكذلك الوضع في كل منطقة الشرق الأوسط التي يمكن توقّع كل شيء فيها في كل لحظة. لذا فإن هناك مخاوف جدية لدى كثيرين من أهل السياسة، في الموالاة والمعارضة، من أحداث ساخنة في لبنان على غرار ما حصل في غزة.
غير أن سياسياً آخر يعتقد بأن الوضع الداخلي لن يصل الى هذا الدرك، لأنه لا يزال هناك متسع من الوقت يتيح لكل من طرفي الأزمة الاستمرار في المناورة قبل الدخول في مفاوضات جدية للوصول الى حل، ويتوقع أن تدخل الأكثرية في خيار التفاهم مع المعارضة على حكومة وحدة وطنية قبل الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
لكن، في انتظار كل هذه الخيارات والاحتمالات فإن المشهد السياسي كما يرسمه المراقبون يبدو كالآتي:
أولاً: إن الأكثرية تراهن على ضربة عسكرية أميركية لإيران أو لسوريا، وعلى صدور قرار دولي يقضي بنشر قوات دولية على الحدود اللبنانية ـــــــ السورية بذريعة «منع تسرب الأسلحة والمسلحين» من سوريا الى لبنان. مما يحدّ من قدرة المعارضة في المواجهة القائمة بينها وبين الأكثرية التي يمكن أن «تطحش» عندئذ لانتخاب رئيس بأكثريتها النيابية.
ثانياً: إن المعارضة ترى أن نجم الأكثرية بدأ يميل نحو الأفول، وإن المفاوضات الإقليمية الجارية آيلة الى تسويات، عاجلاً أم آجلاً، بين الولايات المتحدة وكل من سوريا وإيران تتناول العراق ولبنان، وإن لجوء واشنطن الى أي خيار عسكري جديد قد يكون خطوة غير محسوبة العواقب، وخصوصاً أنها وإسرائيل لم تخرجا بعد من هول الهزيمة التي منيتا بها في عدوان تموز الماضي.
وفي ضوء هذا المشهد يبدو أن ما حصل في غزة أمر يستدعي من الجميع التوقف عنده باهتمام قبل التفكير في ما سيؤول اليه الوضع في لبنان والمنطقة خلال فصل الصيف الذي بدأ أمس، والذي توقّع كثيرون أن يكون ساخناً.