أنطوان سعد
يتبادر فوراً إلى أذهان من يحاولون تصور ما ستكون عليه الأوضاع إذا أقدم رئيس الجمهورية العماد إميل لحود على تشكيل حكومة ثانية تتنازع الشرعية مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، سيناريو المواجهات التي وقعت يومي الثالث والعشرين والخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي.
وفيما يحاول بعض المراقبين تسليط الضوء على ما يمكن أن يقع من حوادث داخل المناطق المسيحية، باعتبار أن المناطق الشيعية والسنية تسيطر على كل منها تقريباً قوة سياسية واحدة، فيما الشارع المسيحي وحده منقسم سياسياً، ما يهدد بتجدد أحداث يوم الإضراب الذي دعت إليه المعارضة، يلفت مراقبون آخرون إلى أن الأحداث الخطيرة ستقع في المناطق حيث تكثر الوزارات والمؤسسات والإدارات العامة التي ستكون موضع تجاذب قوي. ويذهب هؤلاء إلى حد القول إن هذا هو السبب الحقيقي لعدم فك خيم الاعتصام في وسط المدينة بعدما فشلت المعارضة في تحقيق مطلب تشكيل حكومة وفاق وطني.
وبعد استعراض التداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يمكن أن تنجم عن المواجهات المحتملة بين الحكومتين، في جلسات مغلقة تضم شخصيات مستقلة وحيادية في النزاع الحالي، يفضل المراقبون أن يضعوا الكلام عن تأليف حكومة ثانية في إطار التهويل من الجانب المعارض وأن يضعوا إصرار الأكثرية على التهرب من حكومة وفاق وطني في خانة التهويل أيضاً. ويظن هؤلاء أنه في نهاية الأمر سيجد المسؤولون اللبنانيون أنفسهم مضطرين للإحجام عن اللعب على شفير الهاوية قبل فوات الأوان.
وفي هذا الإطار، أسرّ مرشح لرئاسة الجمهورية لأحد المقربين إليه بأنه «يحمد الله على أن للسعودية وإيران تأثيراً على بعض القوى السياسية اللبنانية، وإلا لكانت وقعت الواقعة منذ زمن»، معرباً عن الأسف أن يكون الغرباء يشعرون بالمسؤولية والخوف على لبنان أكثر من الزعماء المحليين المنغمسين في حرب صراع على السلطة شرسة إلى أبعد الحدود.
أما ما تعوّل عليه الأطراف القريبة من قوى الرابع عشر من آذار، فهو اضطرار بعض القوى المسيحية والسنية في المعارضة إلى الإحجام عن القبول بالمشاركة في الحكومة الثانية تحت طائلة تعرضها لخسارة شعبية قاسية في الجماهير المؤيدة لها. فالسنة، وفي مقدمهم الرئيس عمر كرامي وسائر قيادات الصف الأول المعارضة أو القريبة منها، لن يكونوا قادرين على المشاركة في مثل هذه الحكومة لأنهم سيتعرضون لإحراج كبير. ويذكر الجميع كيف أن كرامي لم يستطع الصمود في منصبه إبان ثورة الدواليب في أيار 1992 وانتفاضة الأرز في شباط 2005، على رغم أن حلفاءه في المرة الثانية ناشدوه بإلحاح ألا يستقيل بعد السجالات التي دارت في مجلس النواب.
في المقابل، سيكون انضمام العماد ميشال عون إلى الحكومة الثانية بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على نفسه وعلى رصيده الشعبي المهدد إذذاك بالتعرض إلى أزمة خطيرة قد لا يكون بإمكان الجنرال بعدها الخروج بمعجزة وقضية جديدة تعيده إلى زعامة الشارع المسيحي.
غير أن عض الأصابع القائم بين طرفي النزاع أثبت، منذ استقالة الوزراء الشيعة مروراً بالسجالات حول الشرعية الميثاقية للحكومة والملاحظات على المحكمة ذات الطابع الدولي، واستمرار انعقاد جلسات مجلس الوزراء وأخذ القرارات فيها ونشرها في الجريدة الرسمية دون تذييلها بتوقيع رئيس الجمهورية، أن نهج النزاع السائد مرشح للاستمرار لا بل للتفاقم بما ينذر بأوخم العواقب.
من هنا تعول الأوساط المراقبة على الجهات الخارجية، وبخاصة الأميركية والسعودية والإيرانية، أكثر من الداخلية في عملية الخروج بحل للأزمة القائمة. وهي تنظر بكثير من الأمل إلى المعطيات الواردة من واشنطن، قبل بضعة أيام، من جانب أشخاص اجتمعوا بمساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ولش وفهموا منه أن عملية حل الأزمة تجري ببطء شديد وبعيداً من الأضواء، إنما بخطوات واثقة. وما زاد من صدقية هذه المصادر تقاطعها مع معلومات تحاذر أوساط المعارضة تأكيدها، وإن كانت لا تنفيها، عن موقف أميركي مستجد في اتجاه تشكيل حكومة وفاق وطني يُعبّر عنه السفير الأميركي جيفري فيلتمان في اجتماعاته مع شخصيات لبنانية ومجالسه الخاصة. كما أن هذه المصادر تعرب عن اعتقادها بأن الحركة التي يقوم بها وفد جامعة الدول العربية برئاسة أمينها العام غير بعيدة مطلقاً عن هذه الأجواء الأميركية الإيجابية.