طرابلس ـ عبد الكافي الصمد نهر البارد ــ نزيه الصديق

«الرابطــة» تراهــن على حــلّ شامــل وتسعى إلى «جمــع المؤتلــف والتفاهــم على المختلــف»

على الرغم من الارتياح العام، مبدئياً على الأقل، الذي عكسه كلام وزير الدفاع الياس المرّ مساء أول من أمس، وخصوصاً في صفوف أهالي مخيمي نهر البارد والبدّاوي، عن انتهاء العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد، فإنّ تساؤلات عدّة ما لبثت أن طُرحت بعد فترة وجيزة من ذلك الإعلان، عن مدى ترجمته الحقيقية على أرض الواقع، في ظلّ تواصل الاشتباكات وبشكل عنيف طيلة قبل وبعد ظهر أمس على مختلف جبهات القتال في المخيم. وقد علّقت مصادر فلسطينية معنية على كلام المر بالقول: «إنّ الإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية، مصطلح يحتاج إلى توضيح، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استمرار الحصار على مخيم نهر البارد، وعودة النازحين إليه»، مشدّدة في مقابل ذلك على «ضرورة استثمار وقف العمليات العسكرية وتسخيره في إطار المساعي التي تبذل من أجل استكمال الحلّ السياسي».
إلا أنّ «رابطة علماء فلسطينّ عبّرت عن رغبتها وتأكيدها استمرارها في مبادرتها، وأشارت حسب مصادر مقربة منها إلى أنّ «وفداً منها سيدخل إلى مخيم نهر البارد بعد عودته من بيروت، حيث عقد لقاءات عدة مع مسؤولين لبنانيين وعرب، وعلى رأسهم مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني والسفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة».
وأكدت هذه المصادر أنّه «لا يزال في جعبتنا المزيد والمفيد عن هذه المبادرة، وسنطرحه خلال الساعات المقبلة»، مشيرةً إلى أنّ «مضمون معطيات المبادرة يأخذ بعين الاعتبار وضع تصوّر كلي للأزمة، وأنّ ما يحصل هو بدايات، أيّ إنّ الرابطة لم تكن تراهن على بدايات، إلا أنّها تحدثت ولا تزال عن إيجاد حلّ شامل للأزمة».
وعمّا تناقلته المعلومات عن تسليم جرحى وعناصر من حركة «فتح الإسلام» إلى السلطات اللبنانية، أوضحت هذه المصادر أنّ «الحديث عن هذا الموضوع يأتي من باب شمولية المبادرة التي لا تغفل هذه المسمّيات، لكنّ موعد إظهار هذه المبادرة بكل تفاصيلها هو جزء من أجزاء إنجاحها، وحتى الآن ما زلنا في دائرة التكتّم عليها، وخصوصاً على ما بقي من أجزاء خاصة بالمبادرة».
إلا أنّ هذه المصادر أكدّت أنّ الرابطة «حملت معها أثناء طرحها مبادرتها رؤية معينة بشأن موضوع حركة «فتح الإسلام»، مثل تسليم عناصرها وحلّ الحركة نفسها، وسوف نتحدث عن ذلك في الزمن المناسب».
أمّا عن موضوع تسليم قيادة الحركة أنفسهم إلى السلطات اللبنانية، وما إذا كان ذلك بنداً أساسياً تمّ الاتفاق عليه في المبادرة، فقد لفتت مصادر الرابطة إلى أنّ «موضوع تسليم مسؤولي الحركة وقياداتها أنفسهم هو مطلب لبناني، وحسب ما بدا لنا لا تنازل عنه من جانب الدولة، ومبادرة الرابطة تأخذ بعين الاعتبار، بناءً على ذلك، جمع المؤتلف والتفاهم على المختلف عليه».
في موازاة ذلك، أكدت مصادر الرابطة أنّها «من خلال طرحها السياسي ومبادرتها القائمة، تنطلق من 3 أمور، هي: الحفاظ على المدنيين وأرواحهم، واستنقاذ الممتلكات التي هي سجل العرق والجهد منذ النكبة الأولى حتى اليوم، والسعي للحفاظ على مفهوم المخيم، بمعنى أنّ المخيم هو رمزية لجوء، والمكان الطبيعي لخروج الناس منه هو العودة إلى فلسطين، أيّ إنّه لا محطة ثالثة بين مفهوم المخيم وحق العودة».
وعن الخلاف الدائر، سراً وعلانية، في شأن مبادرة الرابطة، وعدم تعاون جهات فلسطينية معها، فضلاً عن عدم الرضى عن دورها في هذا الموضوع، أكّدت مصادر الرابطة إلى أنّه «مهما اختلفنا مع طروحات سياسية فلسطينية أو لبنانية، فإنّنا نؤكّد في مساعينا أننا نحمل مقولة الآية الكريمة التي تقول: «لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك»، وعلى هذا الأساس فإنّ الردّ العملي على كلّ من رمى الرابطة بالاتهامات وشكّك في مساعيها، هو استمرارها في هذا السعي الحقيقي لتحقيق ما آمنت به، سواء كانت النتيجة مرضية لهولاء المشكّكين أم مزعجة لهم».
على الصعيد العسكري، لم يختلف كثيراً اليوم الأول الذي تلا إعلان وزير الدفاع الياس المر إيقاف العمليات العسكرية في مخيم نهر البارد، عن الأيام السابقة، إذ بقي القصف متقطّعاً وعنيفاً بعض الأحيان، وخصوصاً في ساعات ما قبل ظهر أمس، في محيط المخيم وعلى جبهاته كافة.
وشهدت محاور المخيّم الشمالية والشرقية، والجنوبية الشرقية، اشتباكات استُخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والثقيلة، واستمر دويّ القذائف المدفعية والصاروخية مسموعاً بصورة دائمة، وشوهدت أعمدة الدخان الأسود والغبار متطايرة في سماء أحياء المخيم، بجديده وقديمه، فيما شاركت الطائرات الحربية اللبنانية في المعارك، عندما أغارت أمس مرتين على مواقع مسلحي الحركة في المخيم القديم، وفي بعض الجيوب التي لا يزال مسلحون يختبئون فيها، وفي نقاط ومواقع عند التخوم الواقعة بين المخيم الجديد والقديم، إضافة الى تمشيطها كل الواجهة البحرية للمخيم الجديد، وصولاً الى المدخل الشمالي منه عند بلدة العبدة.
وأعلنت قيادة الجيش ــ مديرية التوجيه أن قوى الجيش في نهر البارد «أنهت إحكام سيطرتها الميدانية على المنشآت ومراكز القيادة والقتال والتدريب والإعلام التي كان يستخدمها تنظيم ما يسمى «فتح الإسلام»، وأهمها الخان، النورس، الوحش، تجمّع مدارس الأونروا، موقع صامد، التعاونية، منزل شاكر العبسي، القدس، ناجي العلي، مجمع جنين، خط السكة الحديد، خط الغاز، المكتب الإعلامي. وتستمر وحدات الجيش بأعمال نزع الألغام والفخاخ وإزالة العوائق وتدمير الأنفاق في بقعة عملياتها، إضافة إلى ملاحقة فلول المسلحين الذين فروا في اتجاه عمق المخيم ليختبئوا في داخله ويتخذوا من المدنيين دروعاً لهم ومن منازلهم مراكز قتال جديدة، غير عابئين بتدمير هذه المنازل وتعريض أرواح قاطنيها لأخطار جسيمة».
وأكدت قيادة الجيش تقديرها عالياً للمبادرات والمساعي الطيبة التي تقوم بها جهات وشخصيات غيورة على مصلحة الشعبين اللبناني والفلسطيني بهدف إيجاد حل للأزمة الراهنة، وتؤكد أنها لا يمكن أن تفرّط بدماء شهدائها ولا تملك حق التنازل عن العدالة التي باتت ملكاً للإرادة الوطنية الجامعة، وتحقيق هذه العدالة يبدأ أولاً بتسليم القتلة الذين ارتكبوا المجازر في حق العسكريين.
على صعيد متصل، تحدثت معلومات أفادت بها مصادر أمنية لـ«الأخبار» عن أن «أكثر من 50 مسلحاً من حركة فتح الإسلام قد قُتلوا في اليومين الأخيرين، وأُصيب ما لا يقل عن 70 مسلحاً بجروح، فيما سقط 4 قتلى في صفوف المدنيين ونحو 80 جريحاً».
في مقابل ذلك، سجل المدخل الجنوبي من المخيم دخول وفد رابطة علماء فلسطين بعد عصر أمس إليه، بهدف الالتقاء بمسؤولي حركة فتح الإسلام. وكانت أشارت أمس معلومات الى تطورات بارزة داخل الحركة تمثلت في ما قيل إنه إبعاد القائد الميداني الجديد شاهين شاهين عن دور المتحدث باسم الحركة الى وفد الرابطة، وتكليف شخصية أخرى مكانه للقيام بهذه المهمة، من غير أن يُعرف من هي هذه الشخصية الجديدة، ولا أسباب إبعاد شاهين أو ابتعاده عن هذه المهمة.
وسجل المدخل الجنوبي أيضاً دخول قافلة من الصليب الأحمر اللبناني إليه، بهدف إجلاء جريحين من المخيم، حسب ما أفاد متطوعون فيه.