strong> ثائر غندور
يتحدّث الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال الأمين العام السابق للحزب جورج حاوي، فيما يهتف عشرات الشباب «ما بدوم ما بدوم إلّا المنجل والقدوم». لم يكن الشباب يستمعون إلى أمينهم العام، بل كانوا يشوّشون على كلمته، ما استدعى تدخّلاً من أحد الحزبيين الأمنيين لإسكاتهم.
ربما يُمكن الانطلاق من هذه الحادثة لوصف علاقة عدد لا يُستهان به من شباب الحزب بقيادتهم. يسأل الشباب عن موقع حزبهم في الخريطة السياسية الحالية، إذ هم لم يسمعوا موقفاً واضحاً من قضية نهر البارد، أو طرح الحكومتين...
فالحزب اعتاد استقطاب الشباب، ثم إبعادهم عنه، فيصفه أحد الذين تولّوا قيادة العمل الشبابي فيه سابقاً «بالمصفاة»، إذ لا يلبث أن يدخلها الماء حتى يتسرب منها.
لا شك في أن شباب هذا الحزب يمثلون خميرةً جيدة لوطن علماني. أدبياتهم لا تزال صالحة لبناء وطن حقيقي على الرغم من اتهام البعض لها بأنها «لغة خشبية». لكن أين المشكلة؟ يقول القيادي في «منطقية بيروت» ربيع رمضان، إن الحزب يحاول جاهداً الدخول إلى أحياء بيروت، وهو ينجح. يستدرك رمضان فيضيف: «يتقبل الشباب طروحاتنا ثم يأتي ردّهم: انظروا إلى الطرف الآخر كيف يتصرف؟».
في المقابل، يبدي الشباب نقداً كبيراً لقيادة حزبهم، مع الإصرار على البقاء داخل الهيكلية التنظيمية، «حتى لا يبقى الحزب ينزف من دون حلول» يقول أحد الناشطين في قطاع الشباب والطلاب. بالنسبة إلى هذا الشاب فإن «الرفاق» في قيادة الحزب «ليسوا على مستوى طموحاتنا». يسكت قليلاً قبل أن يعيد صياغة عبارته: «المشكلة تكمن في شباب الحزب». ويرى «الرفيق» أن على كل شيوعيّ أن يضيف العمل الحزبي إلى لائحة نشاطاته اليومية. «يجب أن يُمضي ساعتين أو ثلاث في عمله الحزبي يومياً». ويشرح مفهومه للعمل الحزبي قائلاً: «هو النضال في الشارع عبر الجمعيات والأندية الرياضية ولجان الأحياء والمنتديات الثقافية، فلا يُمكن بناء حزب في المقاهي الليلية في شارع الحمرا».
أما على المستوى السياسي العام، يبدو أن شباب الشيوعي يريدون من حزبهم أن يبقى بعيداً من استقطابيْ 8 و14 آذار، «لكونهما استقطابين طائفيين». لكنّ جزءاً كبيراً منهم يستعمل خطاباً أقرب إلى خطاب الثامن من آذار، «لأنّ المقاومة أمر مقدسٌ لدينا» يقول أحد الناشطين الجامعيين، ويضيف: «لا يُمكن أن نلتقي مع قوى الرابع عشر من آذار وخصوصاً مع ارتباطها بالأميركي ومشروعه في المنطقة، لكن لدينا نقداً كبيراً لقوى الثامن من آذار». يؤكد أحد قدامى الفاعلين في الشأن الشبابي غسان حجازي، أنّ الحزب غير مرتبط بحزب الله. يستدل على ذلك بأن «مشكلة الحزب المالية كانت ستُحلّ لو لجأنا إليهم».
أما في الجامعات، فالعلاقة مع تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي فشبه مقطوعة، يقابلها فتور في العلاقة مع حزب الله والتيار الوطني الحرّ. ففي مجمّع الحدث الذي يضم أكبر تجمّع طالبي في الجامعة اللبنانية، فإن علاقة الشيوعيين بحزب الله «عادية» على حدّ وصف مسؤول قطاع الشباب والطلاب في مجمّع الحدث محمد عودة. وبالنسبة إلى التيار، ينتقد الشيوعيون تحوّل خطابه من علماني إلى طائفي، ما حوّل التنسيق معهم في الجامعة اليسوعية إلى مجرد تحالف انتخابي لا أكثر.
والمراقب لعمل شباب الشيوعي، يلاحظ أنهم يحققون اختراقات في منطقة جبل لبنان، بعد عودتهم منذ سنوات إلى الفروع الثانية في الجامعة اللبنانية. وما أشبه نقاش اليوم في الحزب، بالنقاش الذي دار في الرابع عشر من آذار 2005، لكن مع فارق بسيط: منذ أكثر من عامين، كان هناك ضغط شبابي لجرّ الحزب إلى تظاهرات 14 آذار. أما اليوم فهناك ضغط شبابي لجرّ الحزب بعيداً من شارعيْ طوائف لبنان، والقاسم المشترك هو ضياع البوصلة عند الرفاق.
ووصلت الأمور إلى درجة عالية من الراديكالية عند أحد «الرفاق» الذي يشدّد على ضرورة ابتعاد الحزب عن السياسة الداخلية: «فلننظّم أنفسنا أولاً، ونبني حزباً قادراً على المواجهة ثم نعود إلى الشارع». ستالين كان محقاً في ردّه على الذين أتوا يقـولون له: «البابا أصدر بياناً قاسياً ضدك»، فأجاب: «كم دبابة يملك».