نقولا ناصيف
ينظر مسؤولون سوريون إلى مطالبة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وقوى 14 آذار بنشر جنود دوليين على الحدود اللبنانية ــــــ السورية بلا مبالاة واضحة. وعلى غرار ما كانوا يقولون إبّان السجال السياسي الحاد في شأن إقرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري من أنهم غير معنيين بها، ولم يُسألوا رأيهم فيها، فإنّهم يعكسون الموقف نفسه من المراقبة الدولية للحدود والدعوة إلى توسيع نطاق تنفيذ القرار 1701 في الجنوب كي يشمل أيضاً الحدود اللبنانية ــــــ السورية. وينسحب تجاهلهم على المسح الذي تقوم به البعثة التابعة للأمم المتحدة المكلّفة التحقق من تهريب أسلحة ومسلحين عبر هذه الحدود إلى داخل الأراضي اللبنانية، والتي وصلت إلى بيروت في 28 أيار الفائت وباشرت مهماتها للتو في قوسايا والمصنع وراشيا، وضمّت خبراء من الدانمارك والجزائر وألمانيا وجامايكا وسويسرا.
وبحسب ما يورده المسؤولون السوريون أمام محدثيهم، فإنه لا دافع لإجراء اتصال بين دمشق وبعثة الأمم المتحدة التي لم يُضِف عملها المستمر منذ أكثر من أسبوعين ما يعزّز الشكوك التي تطرحها حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، ولا حملت وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير في القاهرة (15 حزيران) على تبنّي وجهة النظر اللبنانية الرسمية هذه، ولا سمّى البيان الختامي الصادر عن هذا الاجتماع سوريا طرفاً متهماً. ويقول المسؤولون السوريون أيضاً إنهم لا ينتظرون، في الأيام القليلة المقبلة، الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في دمشق استكمالاً لمهمته ووفد الجامعة في بيروت. ويبرزون كذلك انطباعات مبكرة عن مهمة الوفد العربي التي هي ــــــ يقولون ــــــ لبنانية مئة في المئة.
في الواقع، تتصرّف دمشق حيال ملف الحدود اللبنانية ــــــ السورية، بكل حرارته والاتهامات المنطوية عليه، وكأن لا وجود له على الإطلاق. بل يثير المسؤولون السوريون، على ما ينقل عنهم محدّثوهم، أكثر من ملاحظة حيال المشكلة الحدودية:
أولها، أن الخوض في نشر جنود دوليين على الحدود اللبنانية ــــــ السورية يوجب دخول الأمم المتحدة في مناقشات مستفيضة مع القيادة السورية. بالأقل على نحو المساعي التي رافقت تنفيذ القرار 1701 الذي اتخذه مجلس الأمن في 11 آب 2006، وتأخّر هذا التنفيذ أياماً بسبب إحجام دول مشاركة في القوة الدولية عن نشر جنودها جنوب نهر الليطاني، قبل التحقق من سلامتهم ووجودهم في بيئة غير معادية لهم. وهي حال تأخّر انتشار الجنود الفرنسيين قبل حصول باريس على موافقة مزدوجة من دمشق وحزب الله على أنهم لن يكونوا هدفاً في الصراع العسكري. وتبعاً للمسؤولين السوريين، فإن فرنسا، ودولاً أوروبية أخرى حذت حذوها كبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا، اهتمت بأن تؤكّد لدمشق وحزب الله أن انتشار جنودها في الجنوب يرتبط بالمهمة التي حددها قرار مجلس الأمن، وهي بسط سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها ومؤازرة انتشار الجيش اللبناني على هذه البقعة، من دون الدخول طرفاً في صراع سياسي أو مواجهة عسكرية لا تعني أياً من جيوش هذه الدول، ولا طرفاً في خلاف مع سوريا. وما دام الأمر قد حصل في الجنوب دون أن تكون سوريا على حدود متاخمة لجنوب الليطاني، يقول المسؤولون السوريون، فحرّي أن تحصل مفاوضات مماثلة على الحدود اللبنانية ــــــ السورية، وخصوصاً أن دمشق ستكون هي المعنية وجهاً لوجه مع انتشار جنود دوليين على الأراضي اللبنانية.
ثانيها، أن القيادة السورية تلاحظ أن الظروف الدولية، والمصالح المرتبطة بها، لا تبدو ملائمة في المرحلة الحاضرة للخوض في مثل هذا الخيار، والانتقال بالقرار 1701 من وظيفة إلى أخرى، ومن حل مشكلة قائمة في الجنوب إلى افتعال مشكلة جديدة في الشرق. ولا تنحصر صعاب المشكلة بالموقف السوري وحده، بل تشمل ما يسمّيه المسؤولون السوريون «الأرض الصالحة» لاستقبال الجنود الدوليين. وكما أن ثمة بلدات وقرى في البقاع متاخمة للحدود بين البلدين تدين بالولاء لتيار المستقبل وحلفائه وتدعم خياراً كهذا، فإن بلدات وقرى أخرى أكثر التصاقاً بخيارات المعارضة لا ترحّب بنشر جنود دوليين. الأمر الذي يعيد طرح المشكلة نفسها، وهي حاجة القوات الدولية إلى بيئة غير معادية لها من أجل نجاحها في مهمتها. وعلى غرار واقع الجنوب، ستكون هذه في حاجة إلى ضمانات مماثلة.
ثالثها، تبدو دمشق قاطعة في رفض نشر قوات دولية عند حدودها، ولا تزال تتمسّك بالموقف الذي سبق أن أعلنه قبل أشهر الرئيس بشار الأسد وأعاد تأكيده مراراً نائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم، أكثر من مرة من دمشق وخارجها، بأن نشر جنود دوليين على الحدود مع لبنان سيؤدي إلى إغلاقها من طرف واحد. وهذا الموقف يتطابق مع اللاء الأخرى التي قالها الأسد من أن سوريا غير معنية بالمحكمة الدولية.
ويلاحظ المسؤولون السوريون أن المشكلة الحدودية اللبنانية ــــــ السورية هي نفسها المشكلة الحدودية السورية ــــــ العراقية. وكما أخفقت الإجراءات الأمنية في معالجتها جذرياً، كذلك الأمر بالنسبة إلى الحدود مع لبنان التي تتطلّب حلاً سياسياً أكثر منه أمنياً، وتتطلبه لبنانياً ــــــ لبنانياً ولبنانياً ــــــ سورياً من خلال عودة قنوات الحوار. وإذ يلمسون أن بعض الإجراءات التي اتخذت على الحدود السورية ــــــ العراقية أفضت إلى نتائج مُرْضية وساعدت على ضبط جزء معقول من تسيّب الحدود الطويلة، فإن هذه الإجراءات لم تكن سوى جزء من حوار سياسي يجلس إلى طاولته الأفرقاء المعنيون بطرفي الحدود. وهو ما حصل ولا يزال مستمراً على صعيد التعاون الأمني الأميركي ــــــ العراقي ــــــ السوري. وهو أيضاً ما يقتضي، في رأي دمشق، مقاربة المشكلة القائمة على الحدود اللبنانية ــــــ السورية به. لم تحمِ قوات التحالف الدولي الحدود العراقية من انتقال الفوضى من أكثر من منفذ إلى الداخل العراقي من دول الجوار. كذلك لم يحل انتشار القوة الدولية في جنوب لبنان تنفيذاً للقرار 1701 دون منع مسلحين مجهولين من التسلل إلى الجانب الحدودي مع إسرائيل يوم الأحد الفائت (17 حزيران) وإطلاق ثلاثة صواريخ. وإلى اليوم لم يُعثر على هؤلاء ولا كُشفت هويتهم، ولا أمكن اعتقالهم.
تالياً تدفع دمشق بالمشكلة في منحى آخر، خارج نطاق الجهود الدولية، كي يكون حلها من خلال حوار لبناني ــــــ سوري لا تزال حكومة السنيورة وقوى 14 آذار ترفضه ــــــ لئلا يقال تتفاداه ـــــ في ظل إخلال بتوازن القوى في الداخل اللبناني ومع دمشق.
والواقع أن المسؤولين السوريين لا يقولون بحصول تهريب سلاح ومسلحين من أراضيهم إلى لبنان، بل بمشكلة في العلاقات اللبنانية ــــــ السورية تؤدي في بعض جوانبها إلى فوضى حدودية، وفي البعض الآخر إلى فوضى في الصراع السياسي الداخلي.