بدت محلة أبي سمراء في ضاحية طرابلس الشرقية يوم أمس على غير صورتها المعتادة، إذ خيّم هدوء ثقيل عليها، تصاحب مع قلق ظاهر لدى سكانها الذين كسرت الأحداث الأمنية التي شهدتها منطقتهم الصورة النّمطية المعروفة عنها، بوصفها منطقة نموذجية وادعة للسكن والدراسة، نظراً للهدوء الذي تتسم به، ولوفرة المؤسسات التربوية فيها.إضافة إلى ذلك، فإنّ اتخاذ أغلبية التيّارات والمعاهد والمراكز والشخصيات الإسلامية أبي سمراء مقراً لهم، نظراً لهدوئها أو تدينها، لم يكن يوماً دليلاً على وجود نزعة تشدّد عنفي، أو احتمال وجود مجموعات مسلحة فيها، بل هي تحولت في السنوات الأخيرة إلى منطقة مثلى للتنزه وممارسة رياضتي المشي أو الركضوفي الوقت الذي شرع فيه أهالي المنطقة في البحث عن أجوبة تفسّر لهم ما شهده مجمّع الشهّال السكني من اشتباكات دارت بين الجيش اللبناني مع مجموعة مسلحة تحصنت فيه، بدا هول المفاجأة المصحوبة بالقلق والخوف ظاهراً بوضوح لدى قاطني المجمّع، الذين تفقد قسم منهم منازلهم فيه، في محاولة منهم للملمة الآثار التي تركتها الأحداث.
المجمّع الذي يقع على أطراف المنطقة، وتحديداً في منطقة زيتون أبي سمراء التي شهدت في السنوات الاخيرة فورة عمرانية لافتة للمجمّعات السكنية الحديثة والمؤسّسات التربوية، مكوّن من قسمين (بلوكين)، وفي كل قسم خمس شقق، بدت آثار المعارك التي دارت فيه واضحة، وإن كان القسم الأيسر، حيث كان يعتصم فيه المسلحون، هو الأكثر تضرراً.
عناصر قوى الأمن الداخلي التي لا تزال ترابط في المكان منذ انتهاء الاشتباكات، أوضحت أنّه «لا يزال ممنوعاً على سكان البلوك الثاني من المبنى الدخول إليه، بانتظار أن تنتهي المفارز الجنائية من عملها، وتحديداً لجهة رفعها الأدلة والبصمات».
غير أنّ سكّان البلوك الأول من المبنى، الذين أصيبوا بالصدمة جرّاء ما حدث، فضّلوا ترك منازلهم، و«الإقامة مع عائلاتهم مؤقتاً عند أقارب لهم خارج المنطقة»، حسب ما أوضح لـ«الأخبار» فاضل معاليقي، الذي استأجر شقّة في المبنى منذ سنتين.
وأشار معاليقي إلى أنّ بسّام السيّد وزوجته، اللذين قضيا في الاشتباكات، كانا «يتردّدان بين يوم وآخر على شقّة استأجراها منذ شباط الماضي، من غير أن نلاحظ دخول أو خروج أحد سواهما إلى المبنى طوال هذه الفترة، أو أن نسمع أصواتاً مشبوهة تصدر من الشقّة الملاصقة تماماً لشقّتي في الطابق الثالث من المبنى».
ويصف معاليقي ما حدث ليل السبت ـــــ الأحد الماضي بالقول: «قرابة الساعة العاشرة والنصف من تلك الليلة، طرق جنود في الجيش اللبناني باب منزلي، وسألوني إذا كنت قد لاحظت وجود غرباء في المنطقة، فأجبت بالنفي، إلا أنّ باب الشقة المجاورة ما لبث أن فتح بسرعة، وبدأ من كانوا فيه يطلقون النار من بنادق رشاشة كانت بحوزتهم باتجاهنا، فسارعت وعائلتي إلى إغلاق الباب بسرعة، فيما راح المسلحون يقتحمون شقق المبنى، بعدما خلعوا أبوابها الخشبية، بعدما تعذر عليهم ذلك بالنسبة إلى الشقق ذات الأبواب الحديدية، وهم يهتفون: «الله أكبر، يا أعداء الله!».
ويوضح معاليقي، الذي أصيب وزوجته بجروح طفيفة أثناء الاشتباكات، أنّ «أصواتاً كانت تصدر عن المسلحين أثناء إطلاقهم النار باتجاه الجيش وسكان المبنى، وأن لهجة أحدهم كانت خليجية، والآخر كانت عربيته «مكسرة» (ركيكة)، فيما كان مسموعاً بوضوح صوت امرأة (رجّح أنّها زوجة بسّام السيّد) وهي تهتف بصوت عال: «هيّا إلى الجهاد، الجنّة تحت أقدامكم، يا أعداء الله!».
وما أشار إليه معاليقي يزيد عليه صاحب محل سمانة مجاور، ويقول إن السيّد كان «يشتري كميات من الخبز والمعلبات والمواد الغذائية، تفوق حاجته هو وزوجته وابنه الذي كان معهما، إلا أنّ هذا الأمر لم يسترع اهتمام أحد منا»، غير أنّ صاحب محل السمانة يشير إلى أمر آخر بالغ الأهمية، وهو أنّ «إحدى نساء المنطقة فوجئت منذ أيّام، عندما شاهدت امرأة منقّبة كانت تهمّ بركوب سيّارة، وأنّه عندما تكشّف جانب من رجلها، تبين أنّ الشعر عليه كان كثيفاً!».
(الأخبار)