strong>ليال حدّاد
  • يسبّب الهوس بالنحافة مشاكل نفسية تظهر عوارضها في فقدان الشهية أو الشراهة

  • تكاد تكون كلمة «ريجيم» الأكثر تداولاً في القاموس اليومياللبناني، وتترافق غالباً مع الحديث عن عمليات «تصغير المعدة» في ظلّ انتشار البرامج التلفزيونية التي تقدّم حميات غذائية منحّفة... كلّ ذلك بهدف الوصول إلى جسد مثالي يتوافق مع المقاييس الجديدة للجمال لدى الجنسين

    تضحك وفاء غريّب وهي تستعرض صورها القديمة. تحاول أن تقارن بين جسدها الحالي وما كان عليه قبل أن تخسر عشرين كيلوغراماً من وزنها خلال ستة أشهر: «لا أصدّق حتى اليوم أني لم أعد «ناصحة». منذ طفولتي وأنا جسدي بدين».
    عانت وفاء الكثير قبل أن تتوصل إلى إنقاص وزنها: «حاولت لأكثر من خمس سنوات أن أقوم بحمية لدى اختصاصيين أو من تلقاء نفسي إلا أن شيئاً لم ينجح، أظن أن المشكلة كانت فيّ لأني لم أكن أملك الإرادة الكافية بل كنت أسرق الطعام ولا ألتزم الحصة المخصصة لي»، إلى أن اكتشفت إصابتها بمرض السكري ما جعلها تخاف كثيراً على حياتها فقررت أن تقوم بحمية خاصة من تلقاء نفسها من دون استشارة أي اختصاصي ونجحت في أن تخسر وزنها الزائد. تبتسم ابتسامة رضا عن إنجازها وتقول: «وأخيراً صار جسمي مقبولاً».
    الحمية في وضع وفاء كانت ضرورية، إلا أنها في السنوات الأخيرة أصبحت موضة في لبنان أكثر منها حاجة، وتعيد الفتيات هذه «الحاجة» إلى عدة أسباب. تقول سلوى الأمين البالغة من العمر عشرين عاماً: «عندما أرى العارضات والممثلات النحيفات على التلفزيون وفي المجلات أشعر، بطبيعة الحال، برغبة في التشبّه بهنّ». وتعترف بأنها أصبحت «مهووسة» بإبقاء جسدها نحيفاً، فإذا زاد وزنها قليلاً تُصاب بحالة من الاكتئاب والعصبية الزائدة وترفض أن تخرج من المنزل قبل أن تخسر الوزن الإضافيليس «الريجيم» الطريقة الوحيدة المتوافرة لخسارة الوزن بعدما ارتفع معدّل إجراء عملية «تصغير المعدة» وانخفضت كلفتها إلى نحو نصف ما كانت عليه قبل بضع سنوات. تتحدّث ميراي طرابلسي عن تجربتها في هذا المجال: «لقد خسرت أكثر من أربعين كيلوغراماً بعدما أُجريت لي العملية». وتوضح أنها لجأت إلى الجراحة كمحاولة أخيرة بعدما جرّبت أكثر من محاولة لخسارة الوزن بالحمية: «الأمر لم ينجح، بالكاد كنت أفقد خمسة أو ستة كيلوغرامات، ما لا يقاس نسبة إلى وزني السابق». غير أن العملية لم تخلُ من مضاعفات، فقد عانت ميراي مشاكل في حملها ولم تتمكن من إنجاحه إلا بعد إخضاعها لجراحة ثانية: «قال لي الطبيب إنّه كان عليّ أن أنجب قبل تصغير معدتي لكنني لم أستمع لنصيحته لأنني كنت مهووسة بإنزال وزني».
    أما دنيا سليمان فقصتها مختلفة، فهي عانت انهياراً عصبياً ولجأت إلى الحبوب المهدئة، وكل ذلك بسبب عدم رضاها عن شكلها وعن بدانتها: «وزني مئة وعشرون كيلوغراماً، أنا «دبة» وأعلم ذلك. أكره جسدي وأكره شكلي وأرفض أن أنظر الى المرآة». تضيف وفق اللهجة نفسها: «حين أرتدي ملابسي لا أنظر إلى المرآة، أكره أن أرى هذا الجسد». كلّ محاولات دنيا لخفض وزنها باءت بالفشل وهي لا تملك المال الكافي «لتصغير معدتها». وحين قصدت دنيا اختصاصية التغذية قامت بردة فعل عكسية على كل ما طلبته منها: «كانت تعطيني برنامجاً لألتزمه فكنت أقوم بعكسه انتقاماً من نفسي». تخضع دنيا حالياً لعلاج نفسي بهدف إعادة ثقتها بنفسها ومن بعدها ستقوم بتجربة الحمية من جديد.

    سبب للانتحار؟

    تجربة دنيا لا تبدو غريبة على الطبيب النفسي أندريه بلدي: «أواجه حالات كثيرة كهذه في عيادتي، فالشكل أساسي في الحياة الاجتماعية حتى إن إحدى مريضاتي حاولت الانتحار بسبب بدانتها». غير أنه يكمل مستدركاً: «بالطبع الحجة الظاهرة كانت البدانة، لكن الأسباب الرئيسية نفسية».
    ويفنّد بلدي المشاكل النفسية التي يمكن أن يسببها الهوس بالنحافة: «الاضطراب في السلوك الغذائي هو أحد أبرز عوامل عدم الرضى عن الجسد، وهذا الاضطراب يُلخّص بحالتين مترابطتين هما الأنوركسيا أي فقدان الشهية، والبوليميا أي الشراهة، وفي الحالتين الهدف هو النحافة الزائدة». ويجزم بلدي أن هذه الحالات ازدادت كثيراً في السنتين الأخيرتين «وذلك بسبب تغيّر المفهوم الأساسي للجسد الجميل. أما الأسباب الحقيقية والخفية الكامنة وراء هذا السلوك فهي نفسية بامتياز، وتعود إما إلى تكوين الشخصية أو إلى مشكلة معيّنة تعرّض لها المريض في طفولته، أو حتى إلى قلّة ثقة بالنفس تولّد عند الشخص رغبة في الانتقام من نفسه».
    من ناحية أخرى، يقرّ بلدي بأن أصحاب الأجساد البدينة يواجهون صعوبات كبيرة في الانخراط في المجتمع: «قد يؤدي عدم الرضا عن الشكل وعدم مواكبة «مقاييس» العصر للجسد الجميل، إلى تهميش الشخص من قبل هذا المجتمع الاستهلاكي، إذ الصورة التي يروّجها للمرأة الجميلة هي المرأة النحيفة حصراً».

    هاجس للرجال أيضا
    ً
    تؤكد اختصاصية التغذية جوانا خليل أن الإقبال على الحمية أصبح كبيراً جداًً، وتعيد السبب إلى الصورة النمطية للفتاة الجميلة في هذه الأيام: «يؤدي الإعلام دوراً رئيسياً في هذا الموضوع، فالمذيعات والفنانات والعارضات يظهرن بشكل نحيف وجميل، وهو ما يدفع أغلب الفتيات إلى التصميم على خفض وزنهنّ بهدف التشبّه بهنّ». وتلفت خليل إلى ظاهرة جديدة هي ازدياد عدد الرجال الراغبين في خفض وزنهم. تعلّق مبتسمة: «الشباب صاروا يهتمون بشكلهم أكثر من البنات».
    وتقدّم خليل وصفاً للحالات التي تستقبلها: «الوضع تغيّر عن السابق فالأشخاص الذين يهتمون بجسدهم هم من مختلف الأعمار حتى إن لديّ أطفالاً في عمر الثامنة يأتون مع أهلهم لتدارك السمنة التي يكسبونها، ومجدداً أقول عدد الرجال الذين يقصدونني يقارب عدد النساء». وتعيد سبب إقبال الشباب بهذا الشكل على الاهتمام بمظهرهم إلى «موضة اللياقة البدنية والاهتمام الزائد بالعضلاتغير أن اللافت، والذي تشدّد عليه خليل، هو أن هناك العديد من الأشخاص الذين يقصدون اختصاصية التغذية «لتنظيم برنامج غذائهم اليومي لا لفقدان الوزن، وهو أمر صحي جداً».
    وتستعرض خليل بعضاً من تجاربها مع زبائنها: «لديّ الكثير من الفتيات اللواتي يتمتعن بجسد غير بدين ولا وزن زائد لديهن، إلا أنهن يطلبن خفض وزنهن، والأمر يعود إلى المجتمع في هذه الحالة. فمقاييس الجمال تغيرت وأصبح الجسد النحيل جداً هو الجسد الجميل». وتعيد هذا إلى ثلاثة عوامل «أولاً الإعلام، ثم الأصدقاء. قد لا تكون الفتاة سمينة لكن صديقاتها أنحف منها، عندها تنظر هذه الفتاة الى نفسها على أنها بدينة وتصرّ على الحمية».
    أما العامل الثالث والأهم في عمر المراهقة هو «نظرة الشاب إلى معايير الجمال عند الفتاة، وفي أيامنا هذه النحافة السرّ الأول للفتاة الجميلة».
    وأكثر ما يثير غضب خليل الحميات المنزلية التي يقوم بها الأشخاص من تلقاء أنفسهم «هذا أمر غير صحي على الإطلاق، لأنّ الوزن الذي يخسره الشخص يكون من ماء الجسد لا من السمنة». ويزداد انفعالها ما إن يبدأ الحديث عن الحميات «المتلفزة» كما تسميها، أي البرامج الغذائية الخاصة بالحميات التي تعرضها شاشات التلفزة: «كل محطة تلفزيونية أصبح لديها اختصاصية تغذية تعطي نصائحها على الهواء، فتقوم بوصف حميات جاهزة من دون الأخذ بعين الاعتبار اختلاف كل جسد عن الآخر وحاجاته. وإن معظم هذه الحميات غالباً ما تكون غير صحية وهدفها إنقاص الوزن بأسرع طريقة ممكنة».
    إضافة الى البرامج التلفزيونية الغذائية، لخليل رأي أيضاً في البرامج المتعلقة بالأدوية المصنوعة من الأعشاب المتخصصة بإنزال الوزن: «هذه البرامج تغشّ الناس وتغريهم بصناعة الأعشاب على أساس أن منتجات الطبيعة لا تؤذي الجسد وأن مفعولها سريع، ذلك أن تناول حبة أو مغلف واحد من هذه الأدوية يسبب إسهالاً سريعاً فيظن الشخص أنه بدأ ينحف، علماً أن ما يحصل مماثلٌ لمشكلة الحميات المنزلية، لأنّ الوزن الذي يخسره الشخص يكون من ماء الجسد لا من الدهون».