باريس - بسّام الطيارة
رئيس الحكومة يتّهم من «صرّح بالعبث باستقرار لبنان» بالمسؤولية عن الهجوم على «اليونيفيل»

أكّد مسؤول فرنسي رفيع أن مصير لقاء سيل سان كلو للحوار اللبناني ـــــ اللبناني معلّق على لقاء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة في باريس اليوم.
ورغم استعماله لغة دبلوماسية، وتأكيده أن العمل جار على قدم وساق لإنجاح اللقاء، إلا أن الرسالة التي أراد المسؤول الفرنسي إيصالها، من دون أي مواربة، مفادها أن فرنسا «لن تفعل شيئاً لا يوافق عليه السنيورة».
ووصل السنيورة أمس إلى باريس حيث التقى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس الوزراء الإيطالي ماسيمو داليما. وبعد اللقاء الذي استمر عشرين دقيقة، دعا السنيورة، رداً على أسئلة الصحافيين حول موقفه من مبادرة كوشنير، إلى عدم رفع سقف التوقعات من المبادرة «التي نؤيدها» والتي وصفها بأنها «عمل مشكور لجمع الفرقاء اللبنانيين»، مشدداً على أنهم «من الصف الثاني»، وإن عمل إطار هذا اللقاء «محدد». وكشف أنه بحث مع ساركوزي في أمر المبادرة بعد إطلاقها، وتم التوافق على نوع من تجميد للمبادرة «في انتظار ما تؤول إليه مبادرة الجامعة العربية».
وعن الهجوم الذي استهدف القوة الإسيانية في الجنوب، اتهم السنيورة سوريا بشكل شبه مباشر بالوقوف وراء التفجير، مشيراً إلى أن معرفة المسؤول عن هذا العمل الإرهابي يجب أن تنبع من التصريحات السابقة «التي توحي بالعبث باستقرار لبنان، ويجب أن ننظر إلى ما صدر من تصريحات».
ويلتقي السنيورة اليوم رايس ووزير الدفاع الفرنسي هرفيه موران ووزيرة المال كريستين لاغارد، ثم يلتقي ساركوزي. ويضم الوفد المرافق للسنيورة وزير الثقافة والخارجية بالوكالة الدكتور طارق متري ووزير الاتصالات مروان حمادة.
وكانت مصادر قريبة من الملف اللبناني قد رفضت التعقيب على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، إثر لقائه نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس، الذي قال فيها إن «دعوة السنيورة هي لدعم فريق ١٤ آذار»، إلا أنها غلّفت جوابها التفسيري لتصريحات الوزير الفرنسي بـ«الشرعية اللبنانية»، وقالت إن «أولى الخطوات لإنجاح لقاء باريس هي التحدث إلى رئيس وزراء لبنان الشرعي». وبالتالي يرى المراقبون أن «اللقاء الحواري» الذي سعت إليه باريس يتعلق أساساً بما سيتمخّض عن لقاء ساركوزي والسنيورة ولقاء الأخير برايس.
إلى ذلك، أكدت مصادر في الإليزيه أن الرئيس الفرنسي «طمأن» وزيرة الخارجية الأميركية لدى استقباله لها أمس إلى أن باريس «لا تفكّر في إجراء اتصالات على مستوى عال مع سوريا»، وأنه «لا داعي لأي قلق حيال احتمال استئناف الحوار مع دمشق». وبررت المصادر هذا الموقف بأن «الشروط الضرورية لاستئناف الحوار على مستوى رفيع غير متوافرة».
وحول تفسير «الشروط المطلوبة من سوريا لاستئناف الحوار معها»، أوضح مسؤول يتابع الملف عن كثب أنه «يكفي النظر إلى واقع الأمر في لبنان مثل غياب الأمن والاغتيالات وعدم التطبيق الكامل للقرار ١٧٠١، إضافة إلى أن أزمة نهر البارد لم تنته بعد». إلا أن المسؤول نفسه رفض تحميل دمشق صراحة مسؤولية مباشرة عما يحصل، قائلاً: «لن أقول ما لا نريد قوله».
ويفسر دبلوماسيون «تجديد الموقف الفرنسي» بأنه «نتيجة ردة الفعل التي اعترضت طريق مبادرة كوشنير». ورغم تأكيد مصادر عدة ما تسرب عن دعوة أميركية، على لسان رايس نفسها، خلال قمة الثماني لباريس للبدء بـ«انفتاح على دمشق مواز لانفتاح واشنطن على طهران»، إلا أن أوساطاً أميركية مرافقة لرايس أوضحت «أنه أسيء فهم المقصود من الدعوة»، إذ إن رايس قصدت «ضرورة توجيه تنبيه فرنسي لدمشق بضرورة الكف عن التلاعب بمصير بلد الأرز».
لكن مصادر عدة تؤكد أن ساركوزي أراد «تحريك الأمور في محاولة للخروج من نفق الأزمة»، وهذا ما يفسر رسالته للرئيس إميل لحود أمس، ولقاء القوى المعارضة في باريس وبيروت، قبل أن تدفع عوامل خارجية بواشنطن إلى «فرملة» اندفاع فرنسا، ومن هنا كان «قرار ساركوزي الإمساك بناصية الأمور» على أن يتابع السفير جان كلود كوسران عمله تحت مراقبة مباشرة من الرئيس بانتظار جلاء الموقف الأميركي من خلال محادثات مباشرة بين باريس وواشنطن. وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي للتأكيد أمام رايس أمس أن «باريس وواشنطن متفقتان على الأهداف نفسها في شأن لبنان». ووصف مصدر مسؤول وصف اللقاء مع رايس بأن «الرئيس تكلم وأن رايس اكتفت بالإنصات» وأن ساركوزي رغم ذلك أكد «أن استئناف الحوار اللبناني ـــــ اللبناني شرط لا بد منه لعودة الهدوء إلى لبنان».
ويرى المراقبون أن الإدارة الفرنسية تبدو خائفة من إضاعة المكتسبات التي حققتها على الساحة اللبنانية إبان حقبة شيراك، وهي مع اعترافها ببعض أخطاء «إدارة العلاقات بين باريس وبيروت» بسبب الشخصنة الشيراكية التي تلونت بها، إلا أنها تقرّ بحقيقة هذه المكاسب ولا تود أن تكون كلفة «إعادة تصويب هذه السياسة» خسارة لا عودة عنها لمواقعها في لبنان.
ويشير البعض إلى كلمة صدرت عن كوشنير خلال مؤتمره الصحافي أول من أمس مع رايس، إذ قال: «عندما انتُخِبَت حكومة حماس بشكل ديموقراطي لم تكن ردة فعلنا منصفة». وفهم هؤلاء ذلك بأنه تنبيه لما يمكن أن يحصل في لبنان، وقد يكون البحث عن الإنصاف بعيداً عن ضغوط المصالح الكبرى هو الذي أبعد كوشنير عن الملف اللبناني، وهو ما يمكن أن يجرد اللقاء المنتظر منتصف الشهر المقبل من أي مضمون يساعد على الخروج من النفق.