باريس ـ بسّام الطيارة
تميز اليوم الباريسي لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة بتغيير في طريقة استقباله من السلطات الفرنسية. فقد لاحظ المتابعون لتنقلات السنيورة في العاصمة الفرنسية تشديد الإجراءات الأمنية بشكل ذكّر بتلك التي تواكب زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش، من إغلاق طرقات وزيادة عدد أفراد الشرطة في محيط الأماكن التي زارها.
هذا من ناحية الشكل. أما من ناحية المضمون، فإن مشاورات السنيورة حسب التصريحات والتسريبات التي وصلت لـ«الأخبار» تركزت على نقاط جديدة في طليعتها مسألة المساعدات العسكرية وتقويم المبادرتين العربية والفرنسية.
وقد اتخذ اللقاء الصباحي مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس حيزاً من اهتمام المراقبين، وخصوصاً أنه استمر ٩٠ دقيقة، وشارك الوزيران مروان حمادة وطارق متري في١٥ دقيقة منه فقط.
وعلمت «الأخبار» من مصادر قريبة من السنيورة أن المشاورات تركزت على المرحلة المقبلة «وضرورة جعل مسألة ضبط الحدود مع سوريا محور العمل في الأسابيع القليلة المقبلة». وجرى الحديث عن إمكان استصدار تقرير مستقل يتعلق بعمل اللجنة الفنية التي عاينت الحدود. وبحسب هذه المصادر فإن رايس أكدت اهتمام الإدارة الأميركية بـ«ضبط الحدود».
وأعربت رايس عقب الخلوة عن «إعجابها الكبير بقيادة السنيورة وحكومته المنتخبة ديموقراطياً»، مشيرة إلى أن «هذه الحكومة تعمل لمصلحة اللبنانيين والديموقراطية»، فيما صرح السنيورة بأنه لمس من رايس التزاماً بمساعدة لبنان وتاكيدها مواصلة المساعدات العسكرية الأميركية له.
وقالت مصادر مقربة من الوفد الأميركي إن «رايس أعربت عن القلق من إطالة أمد القتال في مخيم نهر البارد»، وأكدت دعم الحكومة الدستورية اللبنانية في حربها «على الإرهاب الذي تجسده منظمة فتح الإسلام»، وإن السنيورة طرح أمامها مجموعة من التقارير حول الوضع الميداني، وأسهب في شرح الواقع السياسي في ظل الاستحقاقات المقبلة.
وبدا للمراقبين أن «تدافع الوقت» في ما يتعلق بالاستحقاقات كان إحدى النقاط البارزة في زيارة السنيورة الزاخرة باللقاءات، وبينها لقاء مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.
وبحسب مصادر رئيس الحكومة فإن الأخير شدد أمام موسى «على عنصر الوقت الذي يمكنه أن يدهم الجميع». وقد سمح اللقاء بإلقاء بعض الضوء على ما وراء كواليس فشل المبادرة العربية، وكشف مصدر مقرب من الجامعة العربية أنه عقب المباحثات مع مختلف الأطراف اللبنانية «قام أعضاء وفد الجامعة كل على حدة بإرسال تقريره الخاص إلى حكومته»، ما فسر بأنه علامة عدم توافق بين أعضاء الوفد على «استخلاص النتائج». ورفض المصدر التعليق على هذا الأمر، مكتفياً بالإشارة إلى أن عدم التوافق مرده «الخوف من الانعكاسات التي يمكن أن ترتد على الدول المشاركة».
غير أن المصدر أشار إلى أن موسى يرى أن «مساعدة لبنان ضرورية لأن الأزمة لم تعد داخلية، وهو ما يشير إليه الأمين العام بنظرية الطوابق الداخلية والطوابق الخارجية». وانطلاقاً من ذلك أكد المصدر أن «الأمين العام سيتوجه قريباً جداً إلى طهران ودمشق».
وحمل السنيورة هذه الملفات إلى لقائه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الإليزيه الذي أعقبه غداء حضره عدد من الوزراء بينهم وزير الخارجية برنار كوشنير ووزيرة الداخلية ميشال أليو ماري. وعلم أن الوضع الأمني كان مدار بحث معمق خلافاً للاعتقاد بأن «إحياء المبادرة الفرنسية يمكن أن يكون محور الاجتماع». وإلى جانب الاعتداء على قوات «اليونيفيل» تطرق الحديث إلى المساعدات التي يمكن أن تقدمها فرنسا للجيش اللبناني.
وفيما طلب السنيورة مساعدات عسكرية قال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفرنسية إن ساركوزي سيدرسها. كما نقل مصدر مقرب من الإليزيه أن «الكلام الذي بدأ عن لبنان استدار فجأة إلى مسألة دارفور، ما يؤكد الخوف الفرنسي من انفجار الوضع في لبنان في ضوء مجريات الأمور على الأرض». كما تطرق الحديث إلى القوة المختلطة المزمع إنشاؤها في دارفور، ما يجعل موضوع ضبط الحدود السورية اللبنانية عنوان المرحلة المقبلة.
وفي هذه الأجواء بدت الأسئلة عن المبادرة الفرنسية كأنها «آتية من المريخ» كما علق أحد الصحافيين الذين تحلقوا حول درج الإليزيه، ما يوحي أن الفرنسيين أصبحوا وراء المبادرة بعد ظهور ممانعة أميركية بشكل موارب وممانعة للأكثرية اللبنانية بشكل مباشر. وقد أكد السنيورة هذه الممانعة حين قال بعد لقائه ساركوزي: «يجب عدم إذكاء التوقعات» من اللقاء الحواري في باريس. ورغم إعلانه تأييده «كل المحاولات التي تقوم بها فرنسا لتعزيز فكرة الحوار وتبادل الأفكار والابتعاد عن التشنج، شدد على أنه سيكون اجتماعاً لمسؤولين من الصف الثاني».
ومن جهته صرح الناطق الرسمي للإليزيه دايفيد مارتينو بأن مشروع اللقاء «لا يزال قائماً»، لكن موعده لم يحدد.
ومن هنا رأى المراقبون أن السنيورة قام بزيارة ناجحة إلى باريس، إذ استطاع تبديد الإبهام الذي خلقته المبادرة ودفعها نحو «دهاليز لا نهاية لها»، وحصل على دعم قوي من ساركوزي الذي أكد دعم «الحكومة الدستورية» في لبنان، إلا أن مارتينو أشار إلى أن «فرنسا تتحدث مع كل اللبنانيين، لكنها تدعم المؤسسات الدستورية». ونقل عن ساركوزي قوله: «إذا اتفق اللبنانيون فلن نقف عقبة أمام ذلك، وسندعم لبنان بكل الأشكال».
كذلك أكدت مصادر موثوقة أن ملف مزارع شبعا تصدر واجهة النقاش، وقالت المصادر إن السنيورة نقل طلباً من ساركوزي إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتحريك هذا الملف بشكل منفصل عن تطبيق القرار ١٧٠١، وطالبه بوضع تقرير مستقل عن وضع الحدود من دون أن تشير المصادر إلى إذا كان المقصود مجمل حدود لبنان بما فيها الحدود مع سوريا، أو فقط ما يتعلق بالحدود مع إسرائيل.
و في موضوع «اليونيفيل»، أكد ساركوزي التزام فرنسا داخل هذه القوات التي «تقوم بعمل ممتاز في الجنوب لضمان استقرار هذه المنطقة بالتعاون مع الجيش اللبناني»، بحسب مارتينو.
بدوره أكد السنيورة أن «كل الدول المشاركة في اليونيفيل متمسكة بمواقفها. لن يستسلم أحد أمام الإرهاب».
إلى ذلك أعلن وزير الخارجية بالوكالة طارق متري أن السنيورة سلم بان رسالة بطلب تمديد مهمة القوات الدولية لسنة جديدة من دون تعديل بمهامها، وأن الجانبين بحثا أيضاً سبل تسريع تشكيل المحكمة الدولية، إضافة إلى تقرير البعثة المستقلة لتقصي أوضاع الحدود اللبنانية السورية. وشدد على «أن استهداف اليونيفيل يفتح الباب أمام البحث في مجمل الوضع الأمني في لبنان»، مشيراً إلى «أن الحرب التي تشن على لبنان ليست مسألة لبنانية، وهي تعني العرب والمجتمع الدولي كله». ورأى أن التفجير الذي استهدف الكتيبة الإسبانية يقتضي «مراجعة قواعد الاشتباك» التي رسمت لـ«اليونيفيل» من دون تعديل مهامها.