عرفات حجازي
لم تتوصل التحقيقات بعد إلى نتائج محدّدة لكشف الجهة التي تقف وراء الاعتداء الإرهابي الذي أودى بحياة ستة من الجنود الإسبان العاملين ضمن قوة «اليونيفيل»، وإن كانت دلائل تشير إلى أن للاعتداء بصمات، وأن للتوقيت دلالات، وكذلك الأسلوب الذي طبّق في التنفيذ، ما يعكس حقيقة أن تنظيم «القاعدة» قد يكون وراء هذا العمل الإرهابي، ربطاً بالتهديدات التي أطلقها الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري في 11 أيلول عام 2006 ورأى فيها أن القوات الدولية المنتشرة في جنوب لبنان هي قوات احتلال وعدوّة للإسلام يجب مواجهتها، ومن دون إغفال الاتهام الذي وجهه الناطق باسم «فتح الإسلام» أبو سليم طه إلى القوة الدولية بعد اتهامها باستخدام بوارجها في قصف مخيم نهر البارد إلى جانب معلومات تمتلكها أجهزة المخابرات اللبنانية من خلال الاعترافات التي أدلى بها عدد من الموقوفين عن ارتباطاتهم ومخططاتهم.
على أن اللافت أن أيّاً من الجهات لم تصدر بياناً تعلن فيه مسؤوليتها عمّا جرى جرياً على العادة، ما استدعى طرح سيل من الأسئلة عن التوقيت والهدف والجهة، وخصوصاً أن استهداف القوة الدولية جاء بعد أسبوع على إطلاق صواريخ كاتيوشا على شمال إسرائيل، وعمّا إذا كان هناك من رابط بين الأحداث الأخيرة التي بدأت في عين علق وشارع المئتين في طرابلس ومنه إلى مخيم نهر البارد، مروراً بالتفجيرات المتنقلة بين المناطق، وصولاً إلى اغتيال النائب وليد عيدو وآخرين، وانتهاءً بعملية التفجير التي استهدفت الدورية الإسبانية.
وفي قراءة مرجع سياسي أن إدخال قوات «اليونيفيل» في دائرة الاستهداف يكمل حلقة التفجيرات والتوترات الأمنية في خط من الحرائق المشتعلة يمتد من الشرق إلى الجنوب ويشير إلى واقع لا ينفع معه إنكار السلطة لوجود تنظيم «القاعدة» وإصرارها على ربط الجهات التي تقوم بالعمليات الإرهابية بالمخابرات السورية وبتسهيل منها، في وقت تؤكد الولايات المتحدة أن «القاعدة» وصلت إلى لبنان وتغلغلت في مناطقه من خلال خلايا نائمة تمكنت الأجهزة الأمنية من اعتقال عدد من أفرادها في الشمال والبقاع الغربي، وهي خلايا تمتلك من القدرات المالية والتقنية والتنفيذية ما يجعلها تخترق بسهولة كل الحواجز والتدابير الاحترازية وتصل إلى أهدافها، وهذا ما يؤكد أن وجود «القاعدة» بات واقعاً، وعلى السلطة أن تعيد النظر في اتهاماتها وتراجع مستوى أدائها الأمني الذي بات مكشوفاً وبشكل فاضح منذ بدأت المواجهات في نهر البارد وأحياء طرابلس وما سبقها وتلاها من تفجيرات واغتيالات أعطت الدليل الساطع على أنه لا وجود لأمن وقائي واحترازي مع هذا التغلغل المرعب للخلايا التخريبية، وهذا ما يرفع مستوى القلق من تحويل لبنان إلى حلبة صراع وضحية معادلات قاتلة بين الغرب والحركات التي تستلهم نهج «القاعدة» والتي تعمل على تحويل لبنان من ساحة إسناد إلى ساحة جهادية تلتقي مع المساحات الأخرى في المنطقة.
وإذا كانت ردود الفعل العالمية قد أظهرت إجماعاً دولياً قلّ نظيره على التمسك بالقوة الدولية وحماية دورها رداً على التحدي الإرهابي، فإن ذلك لم يبدّد القلق من هذا الاختراق الأمني، والخشية من أن يكون مقدمة لإخضاع القوة الدولية للعمل وفق الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة وتوسيع نطاق عملها بما يفضي إلى امتدادها حتى الحدود السورية، إذ لم يكن من قبيل الصدفة أن يتزامن الفعل الإرهابي عشية مناقشة التقرير الخاص بتنفيذ القرار 1701 الذي يتطرق إلى مسألة الحدود اللبنانية ــ السورية في ضوء تقرير لجنة كلفها الأمين العام للأمم المتحدة تقصّي الحقائق ووضع الحدود، ولم يعرف إذا ما كان التقرير سيتقدم بتوصية تقترح وجوداً دولياً على الحدود أو يكتفي بضرورة العمل على تعزيز المراقبة على الجانبين وعلى الحاجة إلى بذل جهود أكبر لسد الثغرات.
ولأن دائرة الحريق في لبنان إلى اتساع بعد فشل المساعي العربية واستمرار الصراع العبثي بين المعارضة والموالاة، فإن الملف اللبناني شهد ما يشبه قمة دولية عربية في العاصمة الفرنسية شارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية ووزيرة الخارجية الأميركية ورئيس الحكومة اللبنانية، وقد دخل الجميع خلال لقاءاتهم الثنائية في نقاشات مستفيضة تناولت ما يجري في لبنان وما يجب عمله لإخراجه من مآزقه الأمنية والسياسية، ولم يعرف بعد إذا ما كانت هذه الاجتماعات التي شهدتها وشجعت على حصولها باريس ستفضي إلى بلورة رؤية مشتركة عربية ودولية لاحتواء الوضع المتأزم في لبنان، أو أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ستنجح في تعطيل أي مسعى، لأن وقت التسويات لم يحن أوانه بعد، والخوف بعد إفشال التعريب أن يتعزز خيار التدويل.