strong> وفيق قانصوه
تبحث «خابية» 14 آذار (عبثاً؟) عن «بحصة» شيعية تسندها في «معركة الحرية والسيادة والاستقلال»، وتسمح بإحداث ثغرة في «البلوك» الشيعي، المتمثل في «حزب الله» وحركة «أمل»، وتسحب «الوكالة الحصرية للطائفة الشيعية من دمشق وطهران لأن الشيعة في لبنان مع مشروع الدولة، وهم عرب، ويؤمنون بلبنان الواحد السيد الحر المستقل ويرفضون الاستلحاق بالمستوطنة الفارسية»، على ما «اكتشف» مرة أحد «المستلحقين» بـ «ثورة الأرز»، بعد انطلاقها، «الشيخ» محمد الحاج حسن، زعيم «التيار الشيعي الحر»، الذي «ظهر»، فجأة، منافحاً عن «استعادة الهالة الديموقراطية للطائفة» («المستقبل»، 24/2/2007).
ولعلّ العثور على هذه «البحصة» يشغل، أكثر ما يشغل من بين قادة «الأكثرية»، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، الذي لم تلق دعوته للشيعة، مع بزوغ «ثورة الأرز»، الى الالتحاق بها، آذاناً صاغية. فدأب، في أكثر من مؤتمر صحافي، على رفع كتب الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين والرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، داعياً شيعة لبنان إلى «الاقتداء بتعاليمهما» و«الاندماج في بلدانهم»، مؤكداً ان «هناك تفاعلات وتيارات على مستوى شيعة لبنان، ولكن طبعا الغلبة اليوم لمن يحمل السلاح ويملك المال ويقوم بالفتوى والتحريم».
سبقت هذه الدعوات ورافقتها محاولات لاستمالة رئيس مجلس النواب نبيه بري، فقالت 14 آذار فيه ما لم يقله جميل في بثينة، وتسابق أقطاب الأكثرية على كيل الثناء لرئيس المجلس الى حدّ اعتباره «ضمانة لبنان»، قبل أن يفقدوا الأمل بخروجه من صفوف المعارضة، فقيل فيه، بعدها، ما لم يقله مالك في الخمرة.
وترافق ذلك مع «تلميع فولكلوري» لشخصيات شيعية «لعلّ وعسى»، فـ «ثورة الأرز»، لاكتمال عقدها الطائفي، تحتاج الى «ديكورات» شيعية «تجمّلها»، ومَن أفضل من «المعمّمين»، سواداً أم بياضاً، للعب هذا الدور؟
من هنا جاء «اكتشاف» الحاج حسن و«تياره الحرّ»، قبل أن تفتح أبواب السرايا الحكومية أمام مفتي صور وجبل عامل السيد علي الأمين لإمامة صلاة الجمعة، فبات الظهور المكثّف لـ «السيد» (الذي لا يزال مفتياً في منصبه، ولم تعمل «سلطة القمع الديني والمالي» في الجنوب ــ على ما كتبت «شيعية يسارية ديموقراطية» في «النهار» في 24 الجاري ــ على عزله من منصبه أو التعرّض له كما حصل مع رجال دين في اقليم الخروب)، بات ظهوره في مناسبات 14 آذار، ضرورة لا غنى عنها لتلوين صورة «الثورة» بـ «لون» شيعي، وبدا أن المفتي، الذي لطالما تقلّب في المواقع والمواقف، منذ عودته من ايران منتصف الثمانينيات بين «حزب الله» وحركة «أمل»، قبل أن يرجمهما بعدما لم يتمكن من الوصول الى موقع نيابة رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، بدا أنه وجد «موقعه» أخيراً في تيار «المستقبل»!
وبين هذا وذاك، أعادت قوى 14 آذار «اكتشاف» الأمين العام السابق لـ «حزب الله» الشيخ صبحي الطفيلي زعيم ما عرف بـ «ثورة الجياع»، مع تلويح بالعمل على إلغاء مذكرة التحقيق الصادرة بحقه اثر أحداث حوزة بورضاي عام 1998 والتي ذهب ضحيتها شهداء من الجيش. الا أن كثيرين يعتقدون بأن الطفيلي، المعروف بحدّة طباعه وجذرية مواقفه، أبعد ما يكون عن القبول بلعب دور «الواجهة»، على رغم حدّة خلافه مع «حزب الله»، وهو الذي خبر أقطاب «الأكثرية»، في ما مضى، وخبروه، وانهم سرعان ما سيكتشفون ــ أو ربما اكتشفوا ــ أن من أرادوه على يسار الحزب هو، في الحقيقة، على يمينه، وإلا فبماذا يُوصف من يتهم «حزب الله» بوقف المقاومة والعمل حرس حدود لاسرائيل؟
وبالتوازي، جرت، وتجري، محاولات لاستمالة بعض الشخصيات الشيعية المستقلة التي ترتكز على حيثيات اجتماعية ودينية، للعب دور «البحصة» إياها، ومعظم هؤلاء، ممن يوسمون بـ «ليبراليي الشيعة»، مثقفون تقاعدوا من العمل الحزبي وأبناء رموز اقطاعية ووجهاء بلديون وعائليون، مع تركيز خاص على منطقة بعلبك- الهرمل وقراها، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها أبناؤها، وربما لعباً على «الوتر الجنوبي ــ البقاعي». وقد بدا ذلك جلياً في لقاء «شيعة 14 آذار» الذي انعقد الاثنين الماضي في فندق «كومودور» تحت عنوان «اللقاء الوطني لدعم الجيش وإدانة الاغتيال السياسي»، حيث كانت لـ «وجوه» من المنطقة حصة الأسد من الحضور، وهم تنوّعوا بين من لم يحز في الانتخابات البلدية عام 2004 أكثر من 300 صوت، بعدما أحجم عشرات الآلاف من «الغوغاء» في مدينته عن التصويت له، ورئيس بلدية أخلّ بالتزامه التنحي عن منصبه بعد ثلاث سنوات، بحسب اتفاق سابق، فعادى «حزب الله»، وثالث من «مآثره» تسمية احدى ساحات بعلبك المسماة باسم عائلته بـ «ساحة حافظ الأسد»، الى جانب مقاولين وبعثيين سابقين وخريجي دورات مظليات في سرايا رفعت الأسد!
إلا ان ذلك يعني اغفال حضور شخصيات ذات حيثيات ثقافية، لا نحسب انها، في كل تاريخها، حبّذت التعريف بها طائفياً، فيما كان لافتاً حضور شخصيات شيوعية «إنقاذية» منشقة، ليس مفهوماً حضورها في لقاء «طائفي»، وهو ما حرص النائب باسم السبع على ابرازه في مداخلته، عندما تحدث عن «لقاء وطني ذي اكثرية شيعية، وهذا علامة مضيئة لهذه الطائفة»، موجّهاً تحية إلى «كل من ولد شيعياً، واستطاع ان يكسر حاجز الصمت»، وواصفاً فكرة اللقاء بـ «اننا قررنا إقامة رصيف صغير لأن الاوتوستراد محتل»، وهو تشبيه لطيف، خصوصاً اذا ما تذكّرنا أن أحد مهندسي اللقاء، كان أيضاً، عام 2004، من مهندسي مشروع جسر الأوزاعي «الطائر» فوق المنطقة متجاوزاً سكانها وحاجاتهم، فعسى ألا يكون مشروع اللقاء محاولة جديدة لـ «الطيران» فوق تمثيل من يدّعي تمثيلهم.