فداء عيتاني
القضاء على «فتح الإسلام» هو «أهون الشرور» بالنسبة إلى «المستقبل» خشية انفجار شمالي ــ فلسطيني

من يعرف الشمال جيداً يمكنه ملاحظة تقدم بطيء للمعارك العسكرية داخل مخيم نهر البارد، وسط مفاوضات سياسية كسولة عنوانها الأول العناد والممانعة، وتراجع في قدرات «فتح الإسلام»، من دون أن يعني ذلك انهيارها الكامل ولا إمكان القضاء عليها في هجوم مباغت او بضربة ميدانية قاصمة.
من يعرف الشمال جيداً يمكنه التكهن أبعد من ذلك على مستوى الانحياز السياسي للجمهور الشمالي، وعلى مستوى الانتشار السلفي للقوى الاسلامية، وعلى مستوى ردود فعل قد يصعب ضبطها لاحقاً، مثلما أمكن ضبطها الى اليوم.
تدخل الأعمال الحربية في محيط البارد وأطرافه أسبوعها السادس. الكلفة العالية التي تدفع يومياً للقضاء تماماً على «فتح الإسلام» هي «أهون الشرور»، بالنسبة الى النائب في تيار «المستقبل» مصطفى علوش، الذي بات يخشى من انفجار مواجهات بين أبناء الشمال عامة، وبين الفلسطينيين، الذين يعرف الجميع أن نسبتهم بين مقاتلي «فتح الاسلام» ليست أكثر من 20 في المئة. إلا أن ردود فعل عشائرية، ربما، هي ما يقلق النائب الشمالي، خصوصاً أن غالبية شهداء الجيش اللبناني هم من المسلمين من مناطق الشمال، مما يدفع الى كراهية عمياء وتحميل المسؤولية للفلسطينيين الذين تدور المعارك في مخيمهم الأكبر.
لا يرى علوش بدّاً من الانتهاء من ملف «فتح الاسلام» عبر دخول الجيش الى كل أنحاء المخيم، حتى لا تكون الاكلاف اللاحقة أكبر والاضرار أشد، خصوصاً أن مواقف الشماليين، الذين نقلوا تيار «المستقبل» من كتلة برلمانية كبيرة الى الكتلة الاكبر في المجلس النيابي في انتخابات عام 2005، تسبق موقف التيار نفسه من المجموعات المتطرفة، وباتت غالبية مسلمي التيار في الشمال تطالب بالقضاء الكامل على المتشددينالشارع لم يتغير موقفه بل اشتد صلابة» يقول علوش، مضيفاً أن هناك «كرهاً كبيراً للجماعات الاصولية وللمتعصبين، وخوفاً كبيراً منهم»، ويضرب مثلاً على عدم تعاطف الشارع، باب التبانة، وهو احدى افقر المناطق الاسلامية، حيث لم تسجّل اي ردة فعل على كل ما يجري من مداهمات او اشتباكات، اذ يبدو أن هذه المنطقة قد حسمت خياراتها بألا تكون وقوداً في معركة عبثية، وهي تزداد حقداً على «النظام السوري» الذي «يشجع هذه المجموعات».
من يعرف الشمال جيداً يتحدث عن استياء عام لدى الشماليين. وإذا كان الشارع، عموماً، يقف الى جانب الجيش، فقد انفكّ عن الاطراف السياسية فيه. وهذه الاطراف السياسية، بحسب مصدر يملك مخزوناً من العلاقات مع الاوساط الشمالية المختلفة أفقياً وعمودياً، تعيش حالاً من الغيبوبة السياسية، وتسبح مع التيار اذا استفاقت من غيبوبتها.
إلا أن الاستياء العام هو الطاغي، فالحياة تكاد تتوقف، وتسيطر حال الخوف والحذر، من دون أن يتمكن اي من الاطراف السياسية من القيام بأي فعل ايجابي وسط ازمة تمتد منذ ستة اسابيع، اضف أن التيارات السلفية، وهي جزء مكون من المجتمع الشمالي، تعيش قلقاً يومياً، فهي إن لم تكن قيد الاعتقال أو خارجة من المعتقل او متهمة أو قيد الاتهام، فبرسم الاعتقال، وحركتها الميدانية تزداد صعوبة.
«لم يعد هناك من 8 أو 14 آذار في الشمال». يقول الشيخ بلال شعبان، امير «حركة التوحيد» وعضو قيادة «جبهة العمل الاسلامي». ويضيف: «الجو مشوب بقلق وشهد انقلاباً كاملًا، والناس تعيش الجرح المفتوح لما يحصل في مخيم نهر البارد وطرابلس».
أخبار كثيرة تتناقلها الألسن عن تفتيش يتعرض له الاسلاميون على الحواجز العسكرية في مقابل تسهيل لمرور المسيحيين، وعمليات دهم تطال المسلمين وخصوصاً الملتزمين، فيما كان لافتاً أن أنصار «المستقبل» في الشمال لم يتوجّهوا الى بيروت للمشاركة في تشييع النائب وليد عيدو، على جاري عادتهم في مناسبات 14 آذار، ربما خوفاً من الاوضاع الأمنية، او تحسباً لردود فعل «فتح الاسلام» او خلاياها «النائمة»، او حتى انفكاكا عن تيار «المستقبل».
«حين دخل حزب الله إلى الجنوب بعد تحريره عام 2000، بدا كأنه يدخل مكة سلماً وأمناً» يقول شعبان، «وأتى الجو المتشدد هنا بالخراب والدمار، لكن ما اتى بهم هو الجو السياسي لا من توجه إليهم الاتهامات، والانعكاس اليوم لما يحصل انعكاس عكاري ـــــ فلسطيني. وفي الماضي القريب كنا نعرف ما هي اتجاهات الشمال السياسية، اما اليوم فلا نعرف اين يقف الشمال».
ولا ينسى شعبان الإشارة إلى أنه، وعلى رغم تشدد القوى الامنية اللبنانية في عمليات التفتيش والمداهمات، فهي تحاول خفض التوتر خصوصاً مع الجهات الاصولية، «الا أن واقع الامور يفرض نفسه توتراً، وإن كان الجو السلفي الواسع في الشمال لم يتعامل مع القوى الامنية بردة فعل».
ويتساءل عدد من السياسيين الشماليين عن الظلم الذي يلحق بمنطقتهم، مع «اتهامها من مجرمي الحرب الاهلية بأنها مركز للتطرف»، فيما هي، في الحقيقة، تعيش حالاً من القلق ومن ضبط النفس العالي على رغم الأخطاء والظروف الصعبة. ويضيف هؤلاء أن الاسلاميين في الشمال بنوا مئات المعاهد التعليمية والمدارس والمنشآت الثقافية بينما من يتهمهم اليوم بالتطرف لم يمارسوا سوى القتل والتخريب خلال اعوام الحرب وما تلاها. ورغم انعدام خدمات الدولة للمواطنين الشماليين فإنهم يلتزمون خيار الدولة الغائبة حتى اليوم عن منطقتهم، وهي إن حضرت فأمنيّاً.
كثيرون من أقطاب المعارضة في الشمال يشيرون بإصبع الاتهام الى تيار «المستقبل» في ما يحصل من حولهم اليوم، ليس التطرف الديني سوى صدى للتعبئة الطائفية التي شحن بها التيار الشمال والمناطق الاسلامية في لبنان على مدى اكثر من عامين، بحسب احد المراجع الذي ينافس على موقع القيادة في الشمال. «الفطر السام ليس بحاجة لمزارع ولا لغرس، انه ينمو تحت شروط طبيعية، وفي حال توافرها فإنه من المرجح أن ينتج تلقائياً، وكذلك التطرف، ومن أوجد البيئة المناسبة في لبنان لنمو الفطر السام، هو تيار المستقبل، واليوم نحن نتبادل الاتهامات، بينما رأي الشارع اننا نتبادل الاتهامات حول من اشعل السجادة، والمواطنون يقفون فوقها ينتظرون منا أن نطفئ حريقها لا أن نصل إلى الفاعل».