البدّاوي ـ عبد الكافي الصمدنهر البارد ــ نزيه الصديق

قوى التحالف تدين «الجريمة ــ المجزرة» وعباس زكي يتهم المتظاهرين بمناصرة «حثالة العبسي»

لم يُكتب لحركة الاعتصام والتظاهر السلمية التي نفّذتها الجمعيات والمؤسسات الأهلية الفلسطينية واللبنانية في مخيّم البدّاوي أن تصل إلى خاتمتها المرجوّة، إذ تسبّب حادث إطلاق النّار عند حاجز الجيش اللبناني على الطريق الدولي في البدّاوي، على متظاهرين كانوا ينوون العودة مشياً إلى مخيم نهر البارد، إلى سقوط 3 قتلى وأكثر من 40 جريحاً.
وكان مخيّم البدّاوي قد شهد أمس يوماً ماراتونياً، بدأ باعتصام نفّذه نازحون من مخيّم نهر البارد في باحة مدرسة كوكب، رفعوا خلاله عشرات اللافتات والرسوم والصور، وردّدوا الهتافات والأناشيد والأغاني التي تدعو إلى العودة سريعاً إلى المخيّم، وإيجاد حلّ سياسي سريع تسهيلاً للعودة، كما حاول بعض الشبّان قطع الطريق عند مدخل المخيّم الشمالي، من خلال إشعالهم إطارات السيارات، إلا أنّ مسؤولي الفصائل تدخلوا وحالوا دون قطع الطرق بالكامل، وأعادوا الشبّان إلى داخل المخيم.
وعقب صلاة الجمعة، انطلقت تظاهرة كبيرة من أمام مدرسة كوكب، شارك فيها ممثلو الفصائل الفلسطينية في الشّمال، وناشطون وممثلون عن عدد من الجمعيات والهيئات المدنية والإنسانية اللبنانية والأجنبية، وجابت شوارع المخيم على وقع هتافات: «لا تهجير ولا توطين، من البارد عَ فلسطين»، و«نهر البارد ينادي، التموا حولي يا ولادي»، إضافة إلى شعارات وهتافات نابية تناولت رئيس الجمهورية إميل لحود، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، والنائب سعد الحريري. لكنّ ما حدث لاحقاً أنّ التظاهرة انطلقت صوب المدخل الشمالي من المخيّم، وخرجت منه متّجهة نزولاً نحو الطريق الدولي، على بعد نحو 150 متراً، وفي نية المشاركين فيها العودة مشياً إلى مخيّم نهر البارد، في خطوة رمزية كانوا قد أعلنوا عنها مسبّقاً، وتهدف إلى ممارسة ضغط في سبيل إيجاد حلّ سلمي، استباقاً لخطوة رمزية أخرى كانوا يزمعون القيام بها، وتتمثّل في نقل نازحين من مخيّم نهر البارد في باصات خاصة، وتنفيذهم اعتصاماً عند المدخل الجنوبي من مخيّم نهر البارد للغاية نفسهاوأثناء سلوكهم الطريق المذكورة، تكرّر المشهد ذاته الذي حصل قبل نحو 20 يوماً، عندما خرجت تظاهرة مماثلة من المخيّم، واشتبك بعض من كانوا فيها مع أهالي البدّاوي، قبل أن يقفلوا عائدين بعد تدخل مشايخ من المخيّم، والجيش اللبناني الذي منعهم من التوجّه إلى مخيّم نهر البارد، نظراً لاشتداد المعارك حينذاك بين الجيش ومسلحي حركة «فتح الإسلام». غير أنّ المشهد الذي تكرّر، أمس، كان دموياً وأكثر عنفاً، عدا عمّا رافقه من توتر إضافي مع أهالي البدّاوي الذين «شتمونا بأقذع النعوت، وحاولوا التهجّم علينا أكثر من مرّة، ورشقونا بالحجارة»، حسب ما أوضحت لـ«الأخبار» خلود عبد العال، إحدى النّازحات اللواتي شاركن في التظاهرة. وبعد تقدّم المتظاهرين قليلاً على الطريق الدولي، طلب منهم عناصر الجيش اللبناني الموجودون عند الحاجز عدم التقدم، وأطلقوا النار في الهواء، فتوقف المتظاهرون وافترشوا الطريق، رافضين العودة؛ وبعد مرور بضع دقائق بدأ الرصاص ينهمر على المتظاهرين الذين دبّ بينهم الهلع والذعر، واختلط بعدها الحابل بالنابل، وخصوصاً بعد حصول إشكالات جديدة بين المتظاهرين وأهالي البدّاوي، ووصول أنباء ما حصل إلى داخل المخيم، الذي اندفعت منه مجموعات عديدة باتجاه الطريق لاستيضاح الأمر، عدا عن وصول سيّارات الإسعاف التي عملت على نقل القتلى والجرحى إلى المستشفيات داخله. وفيما ساد توتر شديد لاحقاً محيط المخيم، وأقدم متظاهرون غاضبون على قطع الطريق التي تربط بين محلة العيرونية وبلدة البدّاوي، والتي تمر مباشرة أمام المدخل الشمالي من المخيّم، تضاربت الروايات والمعلومات عن حقيقة ما حصل على الطريق الدولي.
فقد أشارت إحدى الروايات، حسب شهود عيان، إلى أنّ رصاصاً انطلق من بين صفوف المتظاهرين باتجاه حاجز الجيش بعد محاولتهم الاقتراب منه والاعتداء على عناصره، وهو الأمر الذي نفته تماماً عبد العال، التي رأت أنّ «ما يقال في هذا الصدد هو تشويه إعلامي كبير للحقائق، وتبرير لما قام به الجيش ضدنا»، بينما لفتت رواية أخرى إلى أنّ رصاصاً انطلق من فوق أحد سطوح أبنية المنطقة، قد يكون مطلقه طابور خامس، باتجاه الجيش، ما دفع الأخير إلى الردّ، فحصل ما حصل.
إلا أنّ النّاشطة الإيرلندية كويفا باترلي، التي كانت تسير في مقدمة التظاهرة، أوضحت لـ«الأخبار» أنّ «المسيرة كانت سلمية تماماً، ولم يبدر منها أيّ استفزاز، وأنّ نساءً وشباباً شاركوا فيها بشكل حضاري جدّاً، وأنّه عندما طلب منا الجيش التوقف جلسنا على الأرض، وكنّا نبعد عن عناصره نحو 200 متر على الأقل، قبل أن يطلقوا النار في اتجاهنا». بدورها، أشارت نادين بكداش، المتطوعة مع مجموعة من الشبان اللبنانيين في مخيّم البدّاوي، لـ«الأخبار» إلى أنّ «الجيش اللبناني هو من أطلق النار على المتظاهرين، وأن أطفالاً كانوا يركضون هاربين باتجاه المخيّم، لاهثين ومذعورين، وقد بدت على بعضهم آثار دماء، فضلاً عن حصول حالة هستيرية في المخيّم فور وصول الخبر إليه، وبعدما بدأت سيارات الإسعاف بنقل الجرحى والقتلى إليه». واتهم الجيش اللبناني المتظاهرين بتجاهل تحذيراته المتمثلة بإطلاق النار في الهواء لمنعهم من اجتياز حواجزه، ما مثّل تهديداً لقواه. وقال بيان لمديرية التوجيه «إن قوى الجيش عملت جاهدة لإنهاء هذا التحرك سلمياً، لكنها لم تلاق أي تجاوب من جانب المحتجين». وفيما ذهبت بعض وسائل الإعلام إلى تكرار الحديث عن وجود أسلحة بين أيدي المتظاهرين أكد مصدر قيادي رفيع في الجيش اللبناني لـ «الأخبار» أن المتظاهرين لم يحملوا أسلحة لكن بعضهم حمل العصي». وأصدر العديد من الناشطين اللبنانيين والأجانب روايات متعددة عن الحادث أجمعت على سلمية التحرك، وأكدت أن من بين المصابين 5 نساء و7 أطفال دون الخامسة عشرة، إضافةً إلى طفل في الثالثة من عمره. وأشارت تقارير هؤلاء إلى أن المتظاهرين لم يرموا الحجارة باتجاه الجيش ولم يحملوا العصي». وأفاد هؤلاء أنه يرجّح أن تزيد الحادثة التوترات في 11 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان تقترب بالفعل من حالة الغليان. وفي وقت لاحق، عُلم أنّ اثنين من المتظاهرين القتلى الذين نقلوا إلى مستشفى صفد التابع للهلال الأحمر الفلسطيني في مخيّم البداوي، هما محمد الجندي وحسام مزيان، ولم تعرف هوية القتيل الثالث، فيما نُقل بقية الجرحى إلى المستشفى المذكور، وإلى المخيّم الطبّي الجوّال الذي يقيمه الهلال الأحمر القطري في مخيّم البدّاوي، فيما نُقل عدد آخر من الجرحى إلى المستشفى الإسلامي الخيري في طرابلس، وقد عُرف منهم مسؤول الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في الشمال أركان بدر.
وعلّق ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي خلال زيارة له الى صيدا على ما حصل في مخيم البداوي، فقال إن «عناصر فوضويين قاموا بتصعيد مفتعل في الشمال، وتسلّلوا الى مسيرة سلمية، فأخرجوها من البداوي الى الشارع».
وحذّر زكي في حديث إلى الصحافيين «من يحاول إرباك الجيش اللبناني وجر الفلسطينيين واللبنانيين الى خنادق متبادلة». واتهم «البعض في مخيم البداوي بمحاولة إشعار «حثالة العبسي» بأن لهم أنصاراً خارج نهر البارد». ومساءً، أصدرت قوى التحالف الفلسطينية بياناً استنكرت فيه «الجريمة ـــــ المجزرة التي ارتُكبت». وطالبت الحكومة اللبنانية بإجراء تحقيق عاجل ومحاسبة مطلقي النار، متهمةً عناصر من الجيش بالتفرد في إطلاق النار خلافاً لقرار القيادة على خلفية انتمائهم السياسي.
وعلى صعيد المعارك في نهر البارد، ذكرت مصادر عسكرية أن اشتباكات عنيفة دارت منذ فجر أمس واستُعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة. وحاولت عناصر من «فتح الإسلام» التسلل إلى محيط النهر من الجهة الجنوبية للمخيم إلّا أن وحدات الجيش تمكّنت من قتل المجموعة. وقامت دبابات الجيش اللبناني بعملية تمشيط على مجرى النهر بمشاركة مروحيات الجيش في محيط الحي البحري للمخيم. وأشارت المصادر إلى أن الجيش اللبناني أصبح متقدماً على مختلف المحاور وخصوصاً الجهتين الشمالية والشرقية. واستُشهد جنديان لبنانيان متأثرين بجروح أصيبا بها أول من أمس الخميس في المعارك،. وواحد توفي مساء أول من أمس، والآخر أمس.