strong> بسام القنطار
لم يكن إعلان «رابطة علماء فلسطين» أمس تعليق مساعيها لوقف الاشتباكات بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام» بعيداً عن مؤشر انسداد أفق الحل السياسي لهذا الجرح المفتوح لبنانياً وفلسطينياً منذ 20 أيار الماضي.
عمائم خمس جلست أمس على منصة فندق الكومودور في بيروت وأوكلت رئيس الرابطة الشيخ داوود مصطفى أن يتحدث باسم الجميع «منعاً للدخول في المحظور وخصوصاً مع الجيش اللبناني الذي يرفض أن يوصف بأنه (طرف) في كل ما يجري» على حد تعبير أحد مشايخ الرابطة.
أتقن الشيخ مصطفى تدوير الزوايا، ورسالة «التعليق» التي أعلنها باسم الرابطة موجّهة إلى «كل الأطراف الفلسطينية واللبنانية التي كان بإمكانها أن تعطي للمبادرة الفاعلية وأن تجنّب المخيم المزيد من التدمير وأن تعيد النازحين، لكنها بخلت بهذا الدور».
وقال الشيخ مصطفى إن «حل الأزمة ينبغي له أن يضمن احترام سيادة لبنان وأمنه وضمان تثبيت المخيم وعودة النازحين إلى بيوتهم وعدم استخدام المخيم لزعزعة السلم الأهلي في لبنان». وحذّر من أن انسداد أفق الحل السياسي «سيؤدي الى مزيد من التأزيم واستمرار النزف للجيش اللبناني وللمدنيين الفلسطينيين». وأشار إلى أن «الرابطة حرصت منذ بداية الأحداث على إيجاد حل سياسي يوقف القتال وينهي ظاهرة فتح الإسلام». وقال إن الجيش اللبناني حقّق إنجازاً عسكرياً «ينبغي التأسيس عليه لبلوغ حل يضمن عدم إطالة المعركة وينهي ظاهرة التنظيمط. ورداً على سؤال عن سبب تعليق المساعي، قال «شعرنا بأننا ندور في حلقة مفرغة».
ما لم يقله الشيخ مصطفى على المنصة أسرّ به أعضاء الرابطة إلى الصحفيين كلّ على حدة. فذهب أحد المشايخ إلى حدّ القول «ماذا يريد الجيش اللبناني أكثر من حل تنظيم فتح الإسلام (...) هذا أبعد مما كان يطلبه الجيش سابقاً». وأضاف «إن المشكلة تكمن أيضاً في غياب التوافق الداخلي الفلسطيني، فلا فصائل منظمة التحرير ولا فصائل تحالف القوى الفلسطينية تعاطت بشكل إيجابي مع مبادرة رابطة العلماء. فحركة الجهاد الإسلامي سربت بنود المبادرة إلى وسائل الإعلام قبل نضوج الحل وهذا عرقل الأمور بدل أن يحلها وكل غايتهم إبراز أنهم أنجزوا شيئاً». أمّا بعض قادة حركة فتح فهم يطلقون الاتهامات ضد الرابطة ويحاولون أن يحرفوا الأمور ويظهروا أن القوة الأمنية الفلسطينية المزمع تأليفها سوف تقوم بالتصدي المباشر لعناصر فتح الإسلام وهذا الأمر لم يتم الاتفاق عليه ومن شأنه أيضاً أن يعرقل مساعي الحل».
ومن المعلوم أن الجيش اللبناني يطالب بأن يسلّم عناصر فتح الإسلام أنفسهم كمدخل للوصول إلى حل سياسي ووقف إطلاق النار. لكنّ فتح الإسلام وافقت على تسليم سلاحها ومراكزها إلى الفصائل الفلسطينية، لكن من المستبعد أن تقبل بأن يتم تسليم أي من عناصرها إلى السلطة اللبنانية. وتراهن فتح الإسلام على عامل الوقت لضمان تواري عناصرها خارج الحدود اللبنانية بعد أن يتم وقف إطلاق النار». وبحسب مصدر في رابطة العلماء فإن القيادي الجديد في حركة فتح الإسلام شاهين شاهين أعلن في أكثر من لقاء عزم عناصر الحركة على مغادرة لبنان نهائياً، وأن هذه العناصر لا تتحمل وزر أخطاء ارتكبتها القيادة القديمة للحركة من خلال شاكر العبسي وشهاب قدورة. ويعتقد أحد أعضاء الرابطة أن المعركة التي حصلت منذ أسبوعين وقُتل فيها العديد من عناصر الجيش اللبناني، كانت بمثابة خطوة عسكرية التفافية نفذها عناصر فتح الإسلام واستطاعوا من خلالها أن يؤمنوا منفذ هروب للعبسي وقدورة الذي شاهده أبناء المخيم حليق الذقن قبل يوم على اختفائه».
إذاً، المبادرات العديدة التي عمل أكثر من طرف على طرحها بهدف إيجاد مخرج للأزمة، توقّف بعضها في أول الطريق، وبعضها الآخر في منتصفه، فيما وصل ما بقي منها إلى ما يشبه الحائط المسدود، الذي تمثّل عبر مضمون المؤتمر الصحفي لرابطة العلماء أمس، ما يحمل على الادّعاء أنّ استعصاء الأزمة طيلة هذه الفترة على الحلّ أو الحسم، بات ينذر بمضاعفات خطيرة، نظراً لتداخل الأزمات في ما بينها وتداخلها على الساحة اللبنانية وتشعباتها بشكل وثيق. فيما لم يخف أحد المشايخ أمس تخوّفه من أن تتحول الاشتباكات الدائرة إلى «حرب استنزاف طويلة»، مؤكداً أن قدرة فتح الإسلام على الصمود تفوق الستة أشهر، وأن خلاياها النائمة خارج مخيم نهر البارد أكثر بكثير من التي في داخله، وأنّه إذا اندفعت هذه المجموعات في تنفيذ «مشروعها»، فإنّ مخاطر وخضّات أمنية كبيرة ستقع، وسيكون ما يحصل حالياً مجرد بروفة صغيرة لما هو آت».