سهى بشارة
26 حزيران، هو تاريخ من مهماته أن يستوقف كل الشعوب والدول، عابثاً بذاكرتهم وبحاضرهم، آملاً بأن يغدو مستقبلهم بعيداً عن ممارسة التعذيب باسم الحق والقانون. فبمجرد سماعي لكلمة التعذيب، تعود بي الذكرى مشهداً يترامى أمام ناظري، وأنا ابنة التسع سنوات، حزام جلد ينهال على جسد طفلة، عمرها لا يناهز عمري، كانت تخدم في ذلك المنزل المواجه لمنزلنا. انطبعت صورة تلك الجلادة في ذهني، وانغرس صوت ذلك الجسد الطفولي الذي كوَّر أذناي...
كم من الأصوات تتعالى يوماً من خلف الأبواب، من العمارات المترامية على مدى الأنظار، انها تصعد من هنا، من هناك، من كل مكان يكمن فيه متسلط يعتبر بأن له الحق بأن يعذب... السبب أو العلة لا تتيهان في سراديب تبريرها... يعتبرون التعذيب في هذا السياق حقاً طبيعياً... بينما في أماكن أخرى، حيث تضيق فيها مساحات الحرية، في السجون والمعتقلات، القانونية وغير القانونية منها، يصبح فيها التعذيب ضرورياً...
هناك في معتقل الخيام، وأنا أُكهرب، أُجلد، أُرمى بالمياه، أركل بالأرجل وأركّع... وأسمع .... أسمع صوت الهراوات تتهاوى على الأجساد، لأعيش عبر الزنازين جولات شحنات الكهرباء اللامتناهية، حتى انقطاع الأنفاس، تسري في أجساد المعتقلين من مختلف الأعمار...
طيلة سنوات اعتقالي، سألت نفسي مراراً وتكراراً: ما هو الضروري في ممارسة هذا التعذيب؟ أين هي أجهزتهم المخابراتية والتحليلية للمعلومات؟ ما الذي يبغونه، سوى إذلال المرء وتحطيم إنسانية الإنسان، من هذه الممارسات؟
حدث لي وأنا في إطار مهماتي في المقاومة أن طرحت سؤالاً على رفيق لي في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية مفاده: «إذا أسرنا ضابطاً إسرائيلياً، هل يتعرض من قبلنا للتعذيب؟ جاء جوابه، مباشرة ودون أي تردد، «طبعاً» لا».
فرحت لهذا الجواب، شعرت بفرح وفخر انتابا كياني. إن نضالنا جاء لكي يحرر أرضنا من المحتلّ، جاء بهدف بناء وطن تُحترم فيه القيم الإنسانية تعبيراً وحياةً.
اليوم، وكل يوم، عندما أتابع الأحداث التي يعيشها لبنان، يستوقفني من جديد حُلم بناء هذا الوطن على أسس تحتكم لحقوق الإنسان... أرى كيف يتراوح التعذيب بكامل أوجهه ما بين الطبيعي والضروري...
يتعالى من الأزقة والعمارات، يُخنق في مكاتب التحقيق والتوقيف والسجون..
كيف لنا أن نبني وطناً، ونحن، باسم القانون، ننتهك فيه إنسانية الإنسان...؟