نقولا ناصيف
تلاحقت في الأيام الأخيرة اجتماعات عقدها مسؤولون أمنيون إسبان وآخرون في حزب الله درست سبل التنسيق بين الطرفين لتدارك حادث أمني آخر بعد استهداف دورية للوحدة الإسبانية العاملة في القوة الدولية في الجنوب، في مرجعيون الأحد الفائت، بعبوة ناسفة قتلت ستة عسكريين إسبان.
وأبرز تبادل المعطيات بين الفريقين الأمنيين ما يأتي:
1ـــــ أكد حزب الله احترامه قرار مجلس الأمن الرقم 1701، كذلك تنفيذه الشق الأمني المتعلق به في القرار، القاضي بعدم وجود سلاح غير شرعي في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، ولفت المسؤولين الدوليين إلى أنه لم يقم بأي عمل عسكري منذ بدأ العمل بالقرار 1701 في آب الفائت، لا على «الخط الأزرق» ولا في مزارع شبعا، ولم يطلق رصاصة على إسرائيل، ولم يقع حادث أمني بينه وبين الجيش اللبناني الذي تسلّم أمن المنطقة مذذاك. وهي أسباب كافية لتكرار التزام الحزب هذا القرار، وإن هو لا يُخفي تحفّظه عن بعض ما ورد في مقدمته ولا يثير سجالاً حولها. كذلك أكد الحزب لمحاوريه الدوليين أن الجنوب «بيئة صديقة» للقوة الدولية، ينظر بإيجابية إلى دورها العسكري لحفظ الأمن، ويستفيد اقتصادياً من الاستقرار القائم ومن وجود هذه القوة لهذا السبب أيضاً.
2 ــــــ طغى الطابع الأمني على اجتماعات الفريقين، رغم الدور السياسي المحدود الذي رافقها وتولّاه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون الذي عقد بضعة اجتماعات مع مسؤولين في الحزب، رغب منها التيقن من تعاون الحزب مع القوة الدولية. وعكس ذلك واقع المشكلة الذي هو أمني أولاً وأخيراً. لم يكن حادث التفجير مثار جدال سياسي بين القوة الدولية وحزب الله لمعرفة هذه القوة أن الأخير لا علاقة له به، ولا بإطلاق الصواريخ الثلاثة من بلدة الخيام في اتجاه إسرائيل في 17 حزيران الماضي، بشهادة أن أياً من المواقف وردود الفعل الدولية على الحادثين، وخصوصاً من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، لم ينطوِ على انتقاد علني أو ضمني للحزب، وإن بدت واشنطن أكثر ميلاً إلى توجيه الإتهام ـــــ كقوى 14 آذار ـــــ إلى سوريا.
تبعاً لذلك، دخلت الاستخبارات الإسبانية مباشرة على خط الاجتماعات الأمنية. كذلك عُقدت اجتماعات موازية بين مسؤولين أمنيين عن الوحدة الإسبانية وحزب الله، وبين الأخير ومسؤولين أمنيين في الوحدات الدولية الأخرى فرادى، تحوّطاً من تكرار حوادث مماثلة.
3 ــــــ لم تطلب الاستخبارات الإسبانية، ولا الوحدة الإسبانية في الجنوب، ضمانات من حزب الله للحؤول دون تكرار ما حصل، إلا أن الطرفين اتفقا على رفع مستوى التنسيق الأمني بينهما على نحو ما وصفه دبلوماسي معني بأن حزب الله انتقل، بعد انفجار الأحد الفائت، من فريق في التزام القرار 1701 وتنفيذه إلى شريك فعلي في حمايته ومنع أي محاولة لإسقاطه واستهداف القوة الدولية وإرغامها بالإرهاب على التخلي عن مهمتها.
واستناداً إلى ما يذكره الدبلوماسي، فإن الحزب، غير القادر على تقديم ضمان يمنع حصول انفجار آخر نظراً إلى اتساع المنطقة، تعهّد التعاون الكامل لكونه يجد نفسه معنياً بالرسالة التي انطوى عليها الحادث، وكذلك بالمحافظة على دور القوة الدولية في جنوب لبنان.
4 ــــــ طلب المسؤولون الأمنيون الإسبان الذين يوغلون في التحقيق، من حزب الله ملفاً أمنياً متكاملاً عن حركة العبور والتنقّل في منطقة عمليات الوحدة الإسبانية في الأيام التي سبقت تفجير الأحد، وأن يتضمن المشاهدات والإفادات والمعلومات المتصلة بحركة السيارات والأشخاص. وأكد الحزب لمحاوريه تزويدهم إياه في مدة قريبة ريثما يستكمل المعطيات المتوافرة لديه. ويمثل هذا الملف طبيعة تعاون التنسيق بين الطرفين الذي يتركز أساساً على الجانب الاستخباري والمعلومات ليس إلا، بحسب الدبلوماسي إياه، لكون المهمات الأمنية والعسكرية منوطة بوحدات القوة الدولية والجيش اللبناني.
5 ــــ تتقاطع المعلومات الأمنية بين الطرفين. وبينما تتوجّه شكوك الاستخبارات الإسبانية إلى ترجيح انتقال الفاعلين، أو في أبسط الأحوال العناصر التي تولت المراقبة، إلى مكان التفجير من المنطقة الواقعة بين مزارع شبعا وكفرشوبا، فإن معلومات في حوزة مديرية المخابرات في الجيش وأجهزة حزب الله أشارت إلى تنظيم سلفي. وطبقاً لاعترافات أدلى بها موقوفون سلفيون قبل أكثر من شهر أمام الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية، استطلع أعضاء في تنظيم «القاعدة» الجنوب أكثر من مرة، وخصوصاً أماكن تمركز وحدات دولية وتنقلها ودورياتها والطرق التي تعبرها، بغية اصطيادها. وأكد هؤلاء في اعترافاتهم أنهم كانوا يعتزمون القيام بأعمال إرهابية ضد القوة الدولية وضربها، استناداً إلى مواقف سابقة حضّت على هذا العمل أطلقها أبو مصعب الزرقاوي قبل مقتله ثم الرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري.
وبحسب مداولات اجتماعات الفريقين الأمنيين في اليومين الأخيرين، جاءت سلسلة الاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الأمنية على أثر انفجار مرجعيون وتوقيفها سلفيين، لتعزّز الاعتقاد السائد في أوساط الأجهزة الأمنية اللبنانية وضباط استخبارات الوحدات الدولية، المعنيين بأمنها، بوجود نشاط فاعل ومتحرّك للإرهاب السلفي في أكثر من منطقة إلى أن بلغ الجنوب سعياً إلى تعميم الفوضى والاضطراب في لبنان. وكان قد أعلن عن جنسيات عدد من هؤلاء، بينهم سعوديون ويمنيون حاذر المسؤولون الأمنيون اللبنانيون في أوقات سابقة الكشف عنهم والجهر بجنسياتهم ما خلا حالات مقتلهم.
6 ـــ لم تتوافر حتى الساعة معلومات عن هوية المسلحين الذين أطلقوا الصواريخ الثلاثة على إسرائيل، ولا أمكن التيقن نهائياً من هوية المتسبّبين بانفجار الأحد المنصرم. إلّا أن التقاطع المشترك للمعلومات بين الاستخبارات الإسبانية ونظيرتها اللبنانية وحزب الله أشار إلى سلفيين يجري التحقّق، ممّا إذا كانوا فلسطينيين أم لبنانيين. وبحسب بعض المعلومات المتوافرة لدى هؤلاء فإن مطلقي صواريخ 17 حزيران هم سلفيون فلسطينيون، الأمر الذي وجّه أصابع الاتهام إلى «عصبة الأنصار»، المتمركزة في مخيم عين الحلوة. وكان جانب من مداولات الفريقين الأمنيين قد توقف ملياً عند بضعة تساؤلات حيال استهداف الوحدة الإسبانية، ومغزى التعرّض لها في مرجعيون لا في أماكن انتقال بعض الوحدات الدولية على طريق بيروت ـــــ الجنوب.
على أن قيادة الجيش أبلغت إلى الوحدات الدولية توليها إجراءات خاصة واستثنائية في المنطقة المتاخمة للحدود الدولية مع إسرائيل لمنع تكرار إطلاق الصواريخ.