جان عزيز
بعدما اتّضح أنّ لسرطان الإرهاب الأصولي السنّي خلايا نائمة في أكثر من منطقة لبنانية، وبعدما بات أكيداً أن للأمر المذكور تداعيات على وضع السلطة القائمة في بيروت، وهي تداعيات تراوح بين حدّ أدنى عنوانه التقصير والإهمال، وحدّ أقصى عنوانه «التورّط»، مروراً بصيغ وسطية من نوع «خلق الأجواء المساعدة» لتخصيب الإرهاب المذكور، عفواً أو خلافه، بعد ذلك كله بات شبه محسوم أن أي مبادرة للحل، وخصوصاً أي تجاوب مع مساعي الوساطات الخارجية، سيكون خاضعاً من جانب السلطة لشرط شموله «الملف الأمني». وهذا البند يقصد منه، كما يؤكد المطّلعون «معالجة» الثغر والفجوات والهفوات التي خلّفها أداء فريق السلطة، منذ ما قبل 20 أيار الماضي، تاريخ اندلاع معارك نهر البارد، حتى ما بعده. و«المعالجة» المطلوبة على ما يبدو، تهدف إلى إطفاء أسئلة ومسائل جمّة، يعطي العارفون بعض الأمثلة عنها،
كالآتي:
1ـــــ مَن اكتشف المتهمين في جريمة تفجيري عين علق في 13 شباط الماضي، والذين أعلن عن توقيفهم في 13 آذار الفائت؟ هل هو فعلاً جهاز أمني تابع لقوى السلطة كما أشيع، أم جهاز أمني آخر «غير تابع» لها، لا بل هو عرضة لاستهدافها منذ أكثر من عام؟
وهل كشف الجريمة المذكورة تمّ بواسطة المعلومات المحلية، أم بواسطة «إخبارية» أميركية ــ سعودية مباشرة، ومتعلقة بمتهم سعودي أوقف وهو يغادر لبنان، ما أدى إلى التقاط أول الخيط؟ وهل صحيح أن محاولة سلطوية لتحويل الاتهام في هذه القضية، وخصوصاً لجهة التعتيم على جنسية وإبراز أخرى، اصطدمت بوجود محاضر تحقيق أوليّة في عهدة جهات أمنية أخرى، ما جعل أمنيي السلطة يتعقلنون بعض الشيء؟
2 ـــــ أين هو ملف أحمد مرعي الذي أوقف في الأشرفية، ونُسجت حوله أساطير مؤسسة لروايات افتضاح «فتح الإسلام»، حتى إن عدداً من النواب السلطويين حدد مواعيد عدة للسبق الإعلامي المفقود، قبل أن يحمّل طارق متري إرهاصات أكبر حول ملفات ووثائق وأدلّة وبراهين، انتهت جميعها إلى الصمت؟ وهل صحيح أن هذا النسج السلطوي كله، مستند في الأساس إلى إفادة ملحقة من جانب شقيق مرعي، اصطدمت بدورها، بموضوعية مسؤول قضائي كبير، رفض الأخذ بتضخيماتها؟
3 ـــــ وهل صحيح أن مجرّد الكشف عن محاضر جلسات مجلس الوزراء التي تلت اندلاع أحداث البارد، كافٍ لافتضاح الكثير؟ فكيف يعلن مسؤول أمني كبير في إحدى تلك الجلسات أن عملية شارع المئتين في طرابلس، جاءت على خلفيّة الرصد الفوري لسيارة قيل إنها شاركت في عملية السطو على بنك المتوسط قبل ساعات، ومشاهدتها في الشارع المذكور، ثم يعلن مسؤول أمني آخر مرؤوس من جانب الأول، أن الشقق التي دوهمت كانت موضع مراقبة منذ أشهر؟ وماذا يعني التباين في الروايتين المسجلتين، وهل يمكن الاستنتاج أن التفرّد في التصرّف الأمني، لم يكن حيال الجيش وحده، بل استهدف أيضاً قيادة الجهاز الأساسي الذي قام بالخطوة الميدانية؟
4 ــــــ وهل صحيح أيضاً أن أي كلام لم يذكر في تلك الجلسات، عن قصة الاتصال بالهاتف المقفل لضابط مخابرات الجيش في الشمال، وهي الرواية التبريرية التي ظهرت بعد أسبوعين في جلسة لجنة الدفاع النيابية؟
5 ــــــ وهل صحيح أن قيادة الجيش جزمت في تلك الجلسات بعدم التنسيق معها، كما جزمت بعدم وجود قرار لديها بحسم المعركة عبر الدخول العسكري إلى المخيم، ونيتها الوصول إلى تسليم القَتَلة بأساليب مركّبة، عسكرية وأمنية وسياسية أخرى؟
6 ــــــ وهل صحيح أن مسؤولاً حكومياً كان مشغولاً خلال تلك الجلسات، بالعمل على تحريض أحد الوزراء المعنيين بالأحداث، ضد أحد الأجهزة الأمنية، حتى إنه مرّر إلى الوزير المقصود ورقة صغيرة كتب له عليها بالإنكليزية: «أنت الآن شاكر العبسي»؟
7 ــــــ وهل صحيح أن كل التسريبات الصحافية التي أعقبت اندلاع الأحداث، من نوع ضبط الشيكات المسروقة مثلاً، تقع بين حد التضليل الإعلامي، وحد توريط بعض المعنيين أكثر من إنقاذهم؟
8 ــــــ وهل صحيح أن لا إمكان تقنياً لضبط أعداد الأشخاص الخليجيين الذين دخلوا إلى لبنان عبر حدوده الرسمية في الأعوام الماضية، ولم يغادروه، لا بل مكثوا فيه، تماماً كما كان يمكث أهل كهف القلمون حتى أول من أمس؟
إنها مجرد عيّنة عن كميات لا تنتهي من الأسئلة ــ الإشكاليات، التي يضجّ بها المتابعون لأداء السلطة وصخبها الإعلامي في الداخل والخارج. وهي كميات تدفع المعنيين إلى الاعتقاد بأن حوادث كثيرة قد تتكرّر، على طريقة «أبي جندل»، وأن أي حل للأزمة سيكون مشروطاً، بمعالجة «الوضع الأمني»، على طريقة عفو ما، لا عن المجرمين، بل عمّن كان يعرف، أو يفترض أن يعرف، أنهم كذلك.