طارق ترشيشي
لا مبالغة في القول إن الوضع الداخلي يتّجه الى مزيد من التعقيد كلما اقترب موعد دخول البلاد في المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية، والمخاوف كبيرة من أن تشهد هذه الفترة اهتزازات وحوداث أمنية متنقّلة بوتيرة أعنف، ربما، مما هي عليه الآن.
ويرسم ركن معارض صورة متشائمة عن مستقبل النزاع، متوقعاً مزيداً من الضغوط الأميركية للإتيان برئيس جمهورية من «جلدة» 14 آذار، أو ممّن يدورون في فلكها، لأن المشروع الأميركي كان، ولا يزال، القبض على السلطة بكاملها في لبنان. ويعرب الركن عن اعتقاده بأن الإدارة الأميركية قررت خوض معركة انتخابات الرئاسة بكل الوسائل، وفي مقدّمها المال، إذ وفّرت مبالغ نقدية كبيرة لهدفين: شراء بعض الأصوات النيابية في المعارضة اذا أمكن، و«تحصين» بعض الأصوات النيابية «المهزوزة» في الموالاة، والتي يمكن المعارضة أن تستميلها الى جانبها في معركة انتخابات الرئاسة.
ويؤكّد هذا الركن أن انتخابات الرئاسة لن تحصل إذا ظلت المواقف على ما هي عليه، وأن أي مواجهة، مهما كان نوعها، لن تحصل قبل موعد 25 أيلول الذي حدّده رئيس مجلس النواب نبيه بري لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فإذا لم يحصل توافق بين الموالاة والمعارضة على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، تصبح كل الاحتمالات واردة ومنها تأليف حكومة ثانية، وخصوصاً إذا ذهب فريق 14 آذار الى خيار انتخاب رئيس للجمهورية بالأكثرية المطلقة، لينال هذا الرئيس اعتراف الولايات المتحدة والدول الحليفة لها. وفي هذه الحال، ستكون الحكومة الثانية بمثابة «مجلس قيادة ثورة» لإسقاط هذا المشروع.
وفي ضوء ذلك، يرى الركن المعارض أن من المستحيل توافر حل للأزمة اللبنانية بمعزل عن تسوية إقليمية شاملة، لذلك، وحتى إشعار آخر، تخطط واشنطن لانتخاب رئيس بما يكمل سيطرتها على السلطة. وإذا لم يتحقّق لها ذلك، ولم تكن التسوية الإقليمية قد نضجت بعد، فإن خيارها عندئذ قد يكون اللجوء الى تفجير لبنان بفتنة أو حرب داخلية تظنّ أن من شأنها إسقاط المعارضة، ورأس حربتها «حزب الله».
لكنّ قرار المعارضة الحاسم بعدم دخول مثل هذه الحرب مهما حصل، قد يدفع واشنطن الى الاعتماد على إسرائيل لتشن عدواناً جديداً، علّها تحقّق من خلاله ما عجزت عنه في عدوان تموز الماضي، وهو عدوان تتقاطع فيه المصلحة الأميركية الهادفة الى تقويض المقاومة مع المصلحة الإسرائيلية الهادفة الى استعادة «هيبة الجيش الذي لا يُقهر».
ويرى الركن المعارض أن إسرائيل، إذا كانت تراهن في أي حرب مقبلة يمكن أن تشنها بقوة الدفع الأميركية، على أن ما ستؤدي اليه من نزوح سيكون عنصراً يمكن الرهان عليه لتأليب الرأي العام اللبناني ضد «حزب الله» باعتبار أن الاحتقان الطائفي قد يقفل مناطق لبنانية عدة أمام النازحين هذه المرة، فإن ذلك قد يعني، في المقابل، أن النازحين قد يلجأون الى مناطق أخرى كان في إمكانهم أن يلجأوا اليها أثناء عدوان تموز، لكنهم لم يفعلوا، مراعاةً لظروف واعتبارات تتصل ببعض أطراف النزاع الداخلي.
بيد أن المعارضة، بحسب الركن نفسه، حريصة على أن تتجنّب كلا الاحتمالين، لأنها حريصة على مصلحة البلاد ولا تريد لها أن تتكبّد خسائر جديدة، واذا كانت انتخابات الرئاسة الثمن الذي يجنب لبنان هذه الكأس المرة، فإنها أول الراغبين في الوصول الى توافق على إنجاز الاستحقاق، أما إذا رفضت الموالاة هذا التوافق وأرادت التفرد بانتخاب الرئيس الجديد بأكثريتها، فإن المعارضة لن تقيم الدنيا أو تقعدها من أجل هذا الأمر، لأنها حريصة على عدم إعطاء الموالاة أو الأميركي أي ذريعة لتفجير حرب في الداخل أو على جبهة الجنوب، وإن كانت، في الوقت نفسه، لن تعترف بشرعية هذا الرئيس حتى ولو اعترف العالم كله بها.
ويستبعد الركن تكرار «خيار غزة» في لبنان، خلافاً لتوقعات البعض، لأن المعارضة على رغم تفهمها للأسباب التي دفعت «حماس» الى الإمساك بغزة، إلا أنها لم تكن تحبّذ مثل هذه الخطوة أساساً.