نيويورك- نزار عبود
«حزب الله يثير قضايا تعقّد التوصل إلى حل قضية الأسرى وإسرائيل مستعدّة للمرونة»

بتأخير لأكثر من شهر، قدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تقريره الفصلي الرابع عن تطبيق القرار 1701. وقد حاول أن يبدو فيه متوازناً عموماً إلا أن التفاصيل والتعابير أظهرت انحيازاً واضحاً، عبر إبراز ما يتردد عن تهريب السلاح من سوريا وإيران إلى لبنان، وعدم إيلاء الخروق الإسرائيلية الأهمية التي تتناسب وحجمها وأحياناً تبريرها.
فرغم إيراده مثلاً أن الطائرات الاسرائيلية خرقت الأجواء اللبنانية 32 مرة في يوم واحد، وأن زورقاً اسرائيلياً هاجم فرقاطة دولية عمداً، إضافة إلى إشارته إلى خروق برية وخطف رعاة وصيادين، رأى التقرير أن ما «عكّر الهدوء» هو اطلاق الكاتيوشا على كريات شمونة، وإن نوّه بنفي حزب الله أي علاقة له بالحادث أو بقبول العمل.
وقد أعرب بان في تقريره عن قلقه العميق من إصرار مَن وصفهم بـ«العناصر المجهولة» على «زعزعة الاستقرار، وإضعاف سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلاله... وسط أزمة سياسية مستفحلة»، وقلقه من أن استمرار تطبيق الـ1701 «بات يواجه مصاعب متكررة». وأكد ضرورة المضي نحو مزيد من التقدم في بعض النواحي المهمة التي يراها أساساً للسلام والحل الدائمينن وحدّدها بـ«إطلاق الإسرائيليين المخطوفين» و«السجناء اللبنانيين» وبفرض حظر التسلح ووقف الخرق الإسرائيلي للأجواء وانتهاك السيادة اللبنانية.
وبعد تناول موضوع الاعتداء على اليونيفيل في 24 الجاري، حثّ الحكومة اللبنانية على إيقاف الفاعلين وجلبهم للعدالة، مشيراً إلى أن اليونيفيل لجأت في الأشهر الأخيرة وبعد تلقي إنذارات عن احتمال تعرضها للاعتداء، إلى تحصين مواقعها واتخاذ إجراءات احترازية لحماية العناصر والمدنيين. وذكر أنه «فور انتهاء التحقيق في اعتداء الخيام، سيصار إلى تعزيزها ثانية».
وفي معرض تقويم تطبيق القرار جنوباً، أشار التقرير إلى الاستقرار في المنطقة منذ التقرير الأخير في 14 آذار الماضي، وأن حادث إطلاق ثلاثة صواريخ كاتيوشا من العديسة في 17 حزيران الجاري، سقط منها صاروخان على كريات شمونة، عكّر الهدوء «رغم الأسلوب البدائي المستخدم في إطلاق الصواريخ». وذكر أن «ألوية بدر ـــــ فرع لبنان»، التي أعلنت مسؤوليتها عن العملية غير معروفة، ولا يمكن التحقق من هويتها، منوهاً بنفي حزب الله أي علاقة له بالحادث. كذلك أشاد بإقدام الجيش اللبناني على نشر مزيد من قواته في المنطقة الحدودية، وباستنكار المسؤولين اللبنانيين من السلطة والمعارضة. ولم ينس الإشارة الى أن إسرائيل وبعد اتصالات مع اليونيفيل «لم تتخذ حتى الآن أي إجراء ردّاً على الاعتداء». ورأى أن «حقيقة وجود عناصر مجهولة استطاعت تنفيذ الهجوم من جنوب لبنان، مقلق للغاية، وتؤكد على ضرورة تعزيز الإجراءات الأمنية المتخذة في منطقة الجيش اللبناني واليونيفيل».

دبابات مقابل رعاة

وأضاف أنه باستثناء هذا الحادث، يبقى الوضع على الخط الأزرق متوتراً وهشّاً، لافتاً إلى أنه في مناسبات عدة، وجّهت دوريات القوات الإسرائيلية واللبنانية البنادق بعضها إلى بعض عبر الخط الأزرق، وأنه في كل مرة كانت «اليونيفيل» تتحرك فوراً وترسل دورية إلى مكان الحادث لتهدئة الوضع ومنع التصادم».
وتحدث عن خروق برية من «الجانبين» أدّت إلى تصعيد التوتر، منها خرق قوة اسرائيلية في 28 أيار الماضي، الأراضي اللبناني بعمق ستين متراً في جوار موقع الأمم المتحدة رقم 4 ـــــ 31 بواسطة دبابة وآليات للحفر.. واكتفى بالتعليق أن الجيش الاسرائيلي قال إن نقطة الحدود لم تكن واضحة في المنطقة، وأن الخرق حدث خطأ!
أما الخروق من الجانب اللبناني والتي وصفها بالطفيفة، فكان معظمها من.. الرعاة والصيادين، وقال إنه في حالتين اعتقل الجيش الإسرائيلي هؤلاء ليفرج عنهم بعد ساعات.
وحذّر من أن احتمال حدوث خرق في مزارع شبعا بات أكبر بالنظر إلى وعورة المكان، وعدم وجود سياج حدودي إسرائيلي، وقال إن قائد قوات الطوارئ ناشد الجانبين ممارسة أقصى درجات الحذر من نشاطات تزيد التوتر. وأوصى بان بضرورة جعل الحدود واضحة المعالم عند الخط الأزرق حيث توجد مسافة كبيرة بين الشريط الفني الاسرائيلي ونقاط الحدود، مشيراً الى أن الحكومة اللبنانية وافقت عقب مناقشات ثلاثية مكثّفة، على شروع اليونيفيل بعملية تحديد معالم الخط الأزرق، فيما طالبت الحكومة الاسرائيلية بإيضاحات.

الخروق الجوية

وأكد التقرير تصاعد وتيرة الخروق الجوية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، معلناً حصولها بشكل شبه يومي بمعدل 15ـــــ20 تحليقاً، وبلغت أحياناً 32 في يوم واحد. وفيما تحتجّ الحكومة اللبنانية، فإن إسرائيل تردّ بأنها ضرورية وستستمر حتى يُفرج عن الجنديين الإسرائيليين وتطبّق الفقرتان 14 و15 الواردتان في القرار 1701 كاملتين.
وإذ وافق بان على «الحاجة لتطبيق البندين المذكورين»، أردف «أن الخرق الجوي المتكرر من جانب إسرائيل لا ينتهك القرار 1701 فحسب، بل القرارات الأخرى الصادرة عن مجلس الأمن، ويضعف مكانة القوات الدولية والجيش اللبناني في نظر السكان، كذلك يؤثر سلباً على الجهود الآيلة إلى إشاعة الاستقرار على الأرض».
وعلى صعيد التنسيق بين الأطراف العسكرية، أعرب عن ارتياحه للتوصل إلى صيغة اتصال ثلاثية بين لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة على مستوى جنرال أو نائب جنرال في كل الأوقات بعد موافقة الحكومة اللبنانية على ذلك، معتبراً أن ذلك «يساعد على تنفيس الاحتقان في الحالات الطارئة».
وفي ما خص وضع بلدة الغجر، أورد أن الحي الشمالي منها لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي «رغم أنهم لا يقيمون وجوداً دائماً في المنطقة». وأكد أن المباحثات الثلاثية مستمرة وسط التزام التوصل إلى اتفاق مع اليونيفيل من شأنه تسهيل الانسحاب الاسرائيلي. وأبدى قلقه من أن يؤدي أي مزيد من التأخر «إلى تصاعد التوتر على الخط الأزرق»، مؤكداً أنه ما دامت إسرائيل داخل الغجر فإنها تكون لم تكمل الانسحاب وفق الواجب المنصوص في الـ1701.

الارتباط

ورأى أن التنسيق بين اليونيفيل والجيش اللبناني في العمليات البرية والبحرية «يبقى أساسياً لحفظ السلام»، مشيراً إلى وجود ضابطي ارتباط دوليين في الجانب الإسرائيلي، مع السعي للتوصل إلى اتفاق على إنشاء مكتب اتصال مدني لليونيفيل في تل أبيب. وإذ أكد على عمق التعاون مع الجيش اللبناني، قال إن الأخير طلب المساعدة في شق طريق بمحاذاة الخط الأزرق بهدف تحسين مستوى المراقبة، وأن التنفيذ مرهون بتحديد معالم الخط.

ضبط أسلحة

وعلى صعيد منع إيصال السلاح إلى المنطقة الحدودية، ذكر التقرير أن هناك نحو 400 دورية يومية لليونيفيل في منطقة عملياتها، وتستخدم المناظير الليلة وتوقف الأشخاص عند الاشتباه في حركتهم، وأن ذلك أدى إلى اكتشاف ذخائر وأسلحة وتحصينات وغيرها من المظاهر العسكرية، منها 17 صاروخاً قرب جسر الفرديس، و100 قذيفة هاون في مغارة قرب المزرعة الإسلامية، ومنصتا إطلاق صواريخ في موقع رشاف، ومغارة تحتوي على ألغام، وصواعق، ومدافع هاون في جوار كفرشوبا، ومخبأ للأسلحة والذخائر ومدفع مضاد للدبابات مع منصتي إطلاق وذخيرة في المنطقة نفسها. وقام الجيش اللبناني بمصادرتها أو تدميرها.
ورغم أن التقرير ينفي وقوع عمليات تهريب إلى المنطقة الحدودية، فإنه في المقابل يبدي قلقاً من أن الحوادث التي وقعت في حزيران تدل على وجود المزيد من الأسلحة في المنطقة. ونسب الى إسرائيل زعمها أن حزب الله يعيد بناء ترسانته في الجنوب، وهناك إشارات قوية إلى أن شعبية الحزب قوية بين الأهالي، وأنه يتمتع بحضور مدني قوي في المنطقة، وأن أفراد اليونيفيل «لاحظوا» أن من يُعتقد بأنهم أعضاء في الحزب يواصلون رصد تحركات القوات الدولية ويلتقطون الصور والأفلام لها.
وفي البحر، أعلن التقرير تفتيش 3000 زورق وسفينة بينها 25 قامت البحرية اللبنانية بتفتيشها، ولم تسجل أية محاولة لتهريب السلاح بحراً. وأعرب بان عن امتنانه للحكومة الألمانية التي قدمت قطعتين بحريتين للجيش اللبناني لهذه الغاية.
وإذ تحدث عن «الانسجام» بين اليونيفيل والجيش والسكان في الجانب اللبناني، أشار «بأسف شديد» إلى مجابهات بين اليونيفيل والجيش الاسرائيلي، منها تنفيذ زورق دورية إسرائيلي هجوماً سريعاً على فرقاطة دولية بهدف صدمها. ولم يستجب الزورق للاتصال اللاسلكي. وتمكنت الفرقاطة من تفادي التصادم بتخفيف سرعتها فجأة. اضافة الى تحليق طائرات اسرائيلية على علو منخفض فوق فرقاطة دولية خارقة الأعراف القائمة. ونقل عن قائد القوة الإسرائيلية قوله في اجتماع لاحق، إن هذه الحوادث لن تتكرر، وأن قواته ستلتزم قواعد الترتيبات.

الـ 1701 في البقاع

ومستنداً إلى أن «حزب الله لم ينف هذه المعلومات»، تحدث عن «مواصلة التسلح في البقاع حيث يقيم حزب الله منشآت عسكرية جديدة، بما في ذلك غرف للقيادة والسيطرة، وقدرات صاروخية، والقيام بدورات تدريبية». كذلك ذكر أن الحكومة اللبنانية أبلغت الأمم المتحدة أن فتح الانتفاضة والجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة عززتا قواعدهما في لبنان بعد الهجوم الذي قامت به فتح الإسلام، وأنها قدمت تفاصيل عن التعزيزات في جبيلة وعين البيضا. وتحدثت عن مئات العناصر في مواقع عدة مع أسلحة متطورة، بما فيها صواريخ مضادة للطائرات. لكن التقرير يشير إلى أن هذه التعزيزات قد تكون تمت من دون علم السلطات السورية. وذكر أن الحوار الوطني نص على تجريد الفصائل الفلسطينية من سلاحها، وأن بان يتوقع دعم الحكومة السورية في هذا الخصوص.
كذلك تطرق إلى شاحنة السلاح التي احتجزها الجيش اللبناني قرب بعلبك في الخامس من حزيران الجاري. وقال إنها وأخرى احتجزتا في 8 شباط الماضي، وهما تمثّلان خرقاً لروح القرار ونصه.
وأكد التقرير ضرورة نزع سلاح «الميليشيات» بالتفاهم، وقال بان: «إنني أؤمن بأن نزع سلاح حزب الله وغيره من الميليشيات ينبغي أن يتم عن طريق حوار سياسي داخلي يعيد السلطة كاملة للحكومة اللبنانية». وأرجع عدم التقدم إلى استمرار الأزمة السياسية، وعدم تطبيق خطة النقاط السبع.
وأشار الى ما تضمنه تقرير ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن عن تهريب السلاح من سوريا، استناداً إلى معلومات الحكومة اللبنانية. كما ذكّر بتحذيرات اسرائيل بهذا الخصوص، لافتاً الى عدم تقديمها قرائن تدعم ذلك. واستشهد بمواقف سورية رسمية عدة تنفي هذا الأمر، مضيفاً: «كذلك أبلغتني الحكومة السورية عن دعمها للاجتماعات لمحافظي المناطق في جانبي الحدود من اجل عمل اللازم لوقف التهريب... وطلبت مساعدة فنية أوروبية لضبط الحدود». وأشاد بتقرير بعثة تقويم الحدود وحث على تنفيذ توصياتها المتعلقة بإنشاء نظام حراسة مشدد.
وأعلن إنجاز تنظيف 36.6 مليون متر مربع من الأرض الجنوبية من 904 قنابل عنقودية، مشيراً الى إصابة 22 مدنياً بانفجارات القنابل منذ التقرير السابق. وانتقد عدم تقديم إسرائيل للبيانات والخرائط المتعلقة بانتشار هذه القنابل رغم المطالب المتكررة.

الأسرى والمزارع

وحمّل حزب الله مسؤولية عدم حصول تقدم في موضوع الأسرى، عبر إثارته «لقضايا جدلية عقّدت الأمور أمام التوصل إلى حل»، وحدّدها برفض «إثبات بقاء الجنديين الاسرائيليين على قيد الحياة»، وقال «إن القلق يتزايد على حياتيهما». وأعلن أن الحزب أعرب عن أمله التوصل إلى تسوية قبل التقرير المقبل في أيلول، وأن اسرائيل «تبدي استعداداً لإظهار مرونة بالنسبة للسجناء اللبنانيين»، معرباً عن أمله ببلوغ تسوية قريبة».
وإذ قال «إن ترسيم الحدود في شبعا يساهم في حل دائم»، أضاف أن الحكومة السورية أصرّت على أن المسألة تبقى في الإطار الثنائي بين الدولتين، وأوضح «رغم أن الحكومة السورية توافق على لبنانية المزارع... فإنها ترى أن الحل يبقى رهن التسوية الشاملة مع إسرائيل». وناشد سوريا إعادة النظر في سياستها «التي تتعارض مع القرارين 1680 و1701»، معلناً مواصلة العمل «بعد رسم الخرائط الدولية» من أجل وضع المزارع تحت إشراف الأمم المتحدة إلى حين رسم حدود نهائية بين البلدين. ونوّه بتقدم فريق المساحين، وقال إن الحكومة اللبنانية زودته مزيداً من المواد الجديدة المفيدة. وأكد موافقة إسرائيل على عمل الفريق الفني والسماح له بالتنقل في الأسابيع القليلة المقبلة. وأمل أن يقدم النتائج في تقريره الخامس.
وناشد بان الحكومات والدول على مساعدة الجيش اللبناني والحكومة لضبط الأوضاع على أراضيها، محذراً من الأحداث الأخيرة، بما فيها اشتباكات نهر البارد، والتي تدل على تصاعد في خطر التوتر، مبدياً «انزعاجاً من التقارير المتكررة التي تتحدث عن خرق حظر تهريب السلاح عبر الحدود اللبنانية ـــــ السورية»، رغم أنه يرى استحالة ضبط الحدود تماماً. وقال إن على سوريا وإيران مسؤولية منع تزويد السلاح بموجب القرار الدولي الذي أوقف العمليات العدائية. وأعرب عن أسفه لعدم بلوغ حالة وقف تام للنار رغم مرور عام كامل على بدء الحرب.