انتهت قصّة اختفاء الطفل عبد الهادي محمّد درويش (3 سنوات) بسلام، بعد عثور القوى الأمنية عليه، في الوادي الذي يفصل بين محلة أبي سمرا ـــ طرابلس وبلدة ضهر العين ـــ الكورة، وهو في صحّة جيدة. فبعد تكثيف الجهود، وفي الساعة الثامنة من صباح أول من أمس، عثر على عبد الهادي في أسفل الوادي نائماً على التراب بعدما أنهكه التعب، فنقل سريعاً إلى «مستشفى المظلوم» في طرابلس، حيث خضع لفحوص طبية عاجلة أكدت عدم إصابته بأيّ عارض صحي، فيما بدت ملابسه ملطخة بالتراب، وظهرت على وجهه آثار الإرهاق بوضوح، بعدما أمضى قرابة 48 ساعة بلا طعام ولا ماء، وظهرت خدوش وجروح طفيفة على وجهه ويديه وقدميه، جرّاء احتكاكه بالأشواك الموجودة بكثرة في المنطقة.وبعد العثور عليه سليماً، ولعدم وجود أي دليل على تعرضه لعملية خطف، هدأت العاصفة التي ولّدها اختفاؤه، وأجّجتها الشائعات التي حاولت الربط بين فقدانه وبين مأساة شهيدي منطقة جدرا زياد قبلان وزياد الغندور، وأدت إلى انتشار اجواء من البلبلة في الشارع الطرابلسي.
وكان أفراد من الجيش اللبناني إلى جانب قوّة أمنية مؤلفة من نحو 450 عنصراً من الدرك وبمشاركة عناصر من مكتب اقتفاء الأثر ومفرزة الشمال في الشرطة القضائية، وعناصر مديرية أمن الدولة، وبالاستعانة بالكلاب البوليسية المتخصصة، قد مشّطوا المنطقة التي فقد فيها الطفل عصر يوم الأحد الفائت، ضمن دائرة يصل قطرها إلى نحو 3 كيلومترات، قبل العثور عليه صباح الثلاثاء.
وبغضّ النظر عن «الهمروجة» الاعلامية التي رافقت عملية العثور على درويش وتلتها، فإن كلاماً يجب أن يقال عن الأسلوب الذي تم التعامل على أساسه مع مسألة اختفاء طفل لم يصل عمره الى 4 سنوات، كان من الممكن أن يكون في خطر لو أن البحث عنه لم يأخذ في اليوم الثالث لاختفائه منحىً أكثر جدية وأكثر فاعلية: لا بد من طرح تساؤل عن مدى توفير التدريب اللازم لعناصر قوى الامن الداخلي، من أجل التعامل مع حالات البحث عن مفقودين. اذ إنه من غير المعقول ومن غير المقبول ان تفشل جميع المحاولات، بما فيها الاستعانة بالكلاب البوليسية طيلة يوم الاثنين الذي أعقب عملية الاختفاء، في العثور على الطفل. وكان من الطبيعي والمنطقي تقسيم المنطقة، حيث فقد الطفل، الى دوائر، ثم تقسم الدوائر البعيدة عن المركز إلى مربعات، ويتولى فريق أمني مستقل البحث في كل دائرة أو مربع. وهذه الفرق تكون مرتبطة بغرفة عمليات ميدانية تتابع البحث والتنسيق بين مختلف الفرق. كذلك، كان في إمكان القوى الأمنية أن تستعين بمتطوعين مدنيين للمساعدة في البحث الميداني، مثلما يحدث في قضايا أكثر حساسية من الناحية الأمنية في دول متقدمة، وهو ما جرى في بريطانيا بعد تفجير طائرة لوكربي، حين استعانت الشرطة وفرق الانقاذ بمتطوعين مدنيين من أجل إعادة تجميع قطع الطائرة تمهيداً لبناء هيكلها مجدداً.
ولا بد من طرح سؤال آخر عن كفاءة الكلاب البوليسية التي استخدمت للبحث عن الطفل، والتي كان من البديهي، بعدما شمّت رائحة ثيابه، أن تعثر عليه خلال وقت قصير، وخاصة أنه لم يبتعد كثيراً، إلا اذا كانت هذه الكلاب غير مدربة على البحث عن المفقودين، بل هي مدربة لوظائف وشؤون اخرى.
إن اختفاء الطفل عبد الهادي درويش والعثور عليه بعد نحو 52 ساعة، يمكن أن يكونا حافزاً على تعزيز قدرات قوى الأمن الداخلي وتدريب عناصر مكتب اقتفاء الأثر على كيفية التعامل مع قضايا مماثلة، وتدريب عدد من الكلاب البوليسية وتنمية قدراتها على البحث عن الاشخاص.
وكان محمد درويش، والد عبد الهادي، قد شكر للأجهزة الأمنية «الجهود التي بذلتها للعثور» على ابنه، لافتاً إلى أنّه كان قد بدأ يفقد الأمل في العثور عليه.
(الأخبار)