أنطوان سعد
ليست الدعوة التي أطلقها رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون إلى إجراء الانتخابات الرئاسية مباشرة من الشعب لمرة واحدة ــ وكان يجدر به أن يضيف إليها كلمة «استثنائياً» ــ ما أثار قلق الأوساط المسيحية الحيادية الحريصة على حصول انتخابات رئاسية في الخريف المقبل. فدون الاقتراع المباشر من الشعب عقبات كثيرة، ليس أقلها عدم فتح باب المجلس النيابي أمام قضايا أكثر إلحاحاً مثل إقرار قانون المحكمة ذات الطابع الدولي وعدم توافر الأكثرية المؤاتية حالياً لإقرار ما يطالب به الجنرال.
غير أن المقلق في حديث رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» هو ظهوره بمظهر المستعد لقبول أي شيء مقابل الوصول إلى سدّة الرئاسة. فمطلب الانتخاب المباشر حملته القوى اليسارية في بعض مراحل الأزمة اللبنانية وتخلّت عنه لأنها اكتشفت أن من غير المعقول أن يقبل به المسيحيون بعدما نالت الأزمات من وجودهم المادي الكثيف في لبنان وشتّتتهم في مختلف بقاع الأرض. وليس من عاقل اليوم يرى ممكناً أن يتم إقرار هذا المبدأ في ظل المعوقات المعروفة، لذلك توجّست الأوساط المسيحية عموماً من طرح العماد عون في يوم عيد العمال، وخصوصاً أنه أتى غداة مطالبة تكتّله بعد اجتماعه في اليوم السابق بالطلب نفسه، ما يعني أن الفكرة ليست عرضية، ووليدة ساعتها فرضها تأثّر الجنرال بالجماهير المحتشدة أمامه.
وبمعزل عن الانتقادات العلنية التي وجّهها مسيحيو الرابع عشر من آذار لإحراج العماد ميشال عون أمام الرأي العام المسيحي، تحركت أوساط مارونية محايدة واتصلت برئيس التكتل والكوادر الأساسية في التيار الوطني الحر مستفهمة ومستنكرة للموقف المشار إليه، فتلقت توضيحات غير مقنعة. إذ كان الجواب أنه «لا يمكن أن نعزل هذا الطرح أو الاقتراح عن الأزمة السياسية القائمة التي هي في جوهرها أزمة صحة التمثيل داخل مؤسسات الدولة. إن التيار الوطني الحر يثير هذه المسألة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة. وقد طرح إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، ثم التوافق على مرشح للانتخابات الرئاسية يضمن تصحيح التمثيل في قلب المعادلة اللبنانية، وطرحنا مسألة تشكيل حكومة اتحاد وطني. لقد اقترحنا إجراء انتخابات رئاسية لمرة واحدة من الشعب من ضمن هذا السياق، وبعدما تعثّرت المساعي الأخرى في ظل انسداد الآفاق، وبغية العمل على تفادي الفراغ الرئاسي، دعونا إلى الاحتكام للشعب».
غير أن هذا التبرير لم يقنع هذه الأوساط التي دعت أركان التيار الوطني الحر إلى الإقلاع عنه محذرة من مغبة تكريس سابقة مطالبة فريق مسيحي أساسي بانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب. ولفتت إلى أنه لا يجوز على الإطلاق قبل مضي خمس سنوات على الأقل من الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، وقبل عودة التوازن الكامل بين الطوائف اللبنانية في المعادلة الوطنية، التفكير في أي إصلاحات سياسية جذرية أو إجراء تبديلات كبيرة في الصيغة السياسية التي تحكم لبنان. ولا بد من إزالة ذيول مرحلة الهيمنة السورية التي ضربت مقومات الوجود المسيحي في لبنان ديموغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً حتى يعود الدور المسيحي إلى فعاليته القصوى. لذلك ليس من الممكن التراجع عن أي موقع في الإدارات الرسمية والمؤسسات الدستورية أو القبول بقانون انتخابات نيابية لا يوفّر صحة التمثيل المسيحي بالكامل. وفي هذا الإطار، يجب ألا تضيع فرصة الاستحقاق الرئاسي لتعبيد الطريق أمام وصول رئيس للجمهورية يشكل جسراً متيناً لعودة المسيحيين إلى المعادلة.
وبما أن حظوظ العماد عون الذي يشكّل من دون منازع القوة السياسية المسيحية الأولى، في الوصول إلى قصر بعبدا، تبدو ضئيلة جداً، ترى أوساط مسيحية بارزة أن عليه أن يبادر إلى إجراء تعديل في سياسته حيال الاستحقاق الرئاسي. وبدلاً من أن تنصب جهوده سدى على الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بإمكانه أن يعكف على أحد أمرين: إما أن ينخرط في مشروع تحقيق توافق مسيحي على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية يتمتع بالمواصفات المطلوبة برعاية سيد بكركي، وإما أن يدعم مرشحاً من الذين يأتون بعده في سلم القادة السياسيين المسيحيين المتمتعين بتمثيل شعبي واسع. وبذلك يكون منسجماً مع ذاته عندما دعا إلى وجوب أن يكون رئيس الجمهورية ممثلاً حقيقياً لتطلعات المسيحيين، ويكون قد أحرج الأطراف السياسية التي يتهمها بأنها تعارض مجيئه لكي تستأثر بموقع رئاسة الجمهورية.