جبيل ــ جوانّا عازار
أنترانيك... ليس اسم النادي الرياضي اللبناني المعروف بل اسم مصلح الدرّاجات الهوائيّة في السوق القديمة لمدينة جبيل وهو في عمر الرابعة والثمانين. أنترانيك كيفوركيان مواليد سنة 1923 هو من أصحاب المحلات القدماء القلائل في سوق جبيل القديمة كي لا نقول الوحيد الذي ما زال يعمل ويمارس مهنته.
أنترانيك أو «أنتو» كما تحلو تسميته لبعض أصحاب المحلات في السوق القديمة، ولد في جبيل وعاش فيها في منزل قرب الميناء وعمل كندرجياً إلى أن بدأ العمل في عمر الـ15 سنة في المصلحة العزيزة على قلبه، فكان يقوم بتصليح الدرّاجات الناريّة الى جانب الدرّاجات الهوائيّة، وقذ ذاع صيته في المدينة والمنطقة المجاورة واشتهر في عمله الدقيق وقدرته الهائلة على تصليح الأعطال مهما تعاظمت.
المعلّم أنترانيك يعمل وحده في المحلّ بعدما كان يعاونه صبيّ في الماضي. فوقتها يقول أنترانيك «كانت العجقة كبيرة» حتّى إنّ الزبائن كانوا يقفون في الصفّ لانتظار دورهم وكان يلبّي طلباتهم جميعاً، وكان مدخول اليوم الواحد ما يقارب الـ400 أو الـ500 ألف ليرة لبنانيّة، حتّى إنّه كان يصل أحياناً الى مليون ليرة لبنانيّة في اليوم الواحد. إذ إلى جانب إصلاحه للدرّاجات، كان أنترانيك يشتري عدداً من الدرّاجات ويبيعها. أمّا اليوم وقد مضى ما مضى، أصبح العمل متقلّباً وخفّ في نسبة كبيرة، إلا أنّ هذا لم يثنه عن الإكمال في ممارسة المهنة التي لازمته طوال هذا العمر وكانت مصدر عيشه الوحيد، وهو لا يزال يعمل ليس كما عمل في «أوّل طلعته»، كما يقول، بل بصعوبة أكبر فالعمر «إلو حصتو» وهو يعترف بأنّه لم يشعر بالتعب في حياته إلا هذه المدّة، فأصبح ينهض ببطء ويتحرّك في صعوبة أكبر، إلا أنّه لا يزال يتنقّل على درّاجته الناريّة، وهي من نوع سوزوكي يعود موديلها الى عام 1970، اشتراها من الشركة ولا يزال يستعملها في تنقّلاته منذ عام 1970.
يفتح أنترانيك محلّه في الثامنة صباحاً تقريباً ويقفله في الشتاء نحو الساعة الرابعة بعد الظهر، وفي الصيف نحو الخامسة والنصف، وهو يتعامل مع شركة تؤمّن له البضائع منذ أربعين سنة وحتّى اليوم، ويملك في محلّه العديد من البضائع وقطع الغيار الخاصّة بالدرّاجات الهوائيّة على مختلف أنواعها وأشكالها، ويتقاضى عن كلّ درّاجة مبلغاً معيّناً، وذلك حسب العطل ونوع القطعة المستعملة.
وعن وضعه الصحّي يقول أنترانيك «بقوّة اللّه بعدني منيح» فهو لا يعاني أيّ مرض أو أوجاع تذكر باستثناء حاسّة السمع الضعيفة عنده. ويبقى العمل بالنسبة إليه مصدر تسلية وهو يفضّل الحركة على الجلوس في المنزل وبرأيه «يللّي ما بيشتغل بصدّي ويللي بيعمل بيلمع». أنترانيك يتكلّم العربيّة والأرمنيّة ويشاهد التلفاز في أوقات فراغه، وهو متابع لسحوبات اللوتو واليانصيب، ولا تعنيه أخبار السياسة والسياسييّن، كما لا يستهويه لعب الطاولة أو لعب الورق، وهو لا يدخّن ولا يشرب الكحول منذ مدّة، ويبقى التلفاز بالنسبة إليه الصديق الدائم بعد أن خسر العديد من أصدقائه الذين ينعتهم بالمزيّفين. إلا أنّه يقوم بزيارة «الحقيقيين» منهم نهار الأحد، يوم الفرصة الذي يقفل فيه محلّه.
قلائل في جبيل لا يعرفون أنترانيك أو على الأقلّ سمعوا به، وأصحاب المحلات في السوق القديمة يقولون عنه إنّه «جار غير شكل» وحين نبادر الى سؤال أحدهم عن رأيه فيه يقول من دون تردّد «ع سلامتو».