عرفات حجازي
لم تنجح الأطراف السياسية في استثمار المناخ الإيجابي الذي أشاعته المواقف السياسية بهدف تطويق ذيول وتداعيات جريمة اغتيال الفتى زياد غندور والشاب زياد قبلان، ولم تسع هذه الأطراف الى تطوير مواقفها الى أفكار ومبادرات تعيد الجميع الى طاولة الحوار وتفتح الوضع على آفاق مريحة، إذ سرعان ما عادت نبرة السجال السياسي إلى الارتفاع مستحضرة عناوين جديدة للمعركة السياسية المقبلة بعدما تراجع الاهتمام بالقضيتين الخلافيتين، الحكومة والمحكمة، بدءاً بالمواقف التي أطلقها رئيس كتلة «الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون عبر دعوته لانتخاب رئيس جديد للجمهورية مباشرة من الشعب لمرة واحدة والردود العاصفة على طرحه، مروراً بالمناقشات التي بدأت في مجلس الأمن في شأن مصير ملف المحكمة ذات الطابع الدولي انطلاقاً من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن محصلة لقاءاته في كل من دمشق وبيروت، وانتهاءً بتقرير لجنة فينوغراد وارتداداتها على الداخل اللبناني.
واذا كان فريق السلطة قد عجّل في فتح الملف الرئاسي وفق دفتر شروط خاص وبآليات وتفسيرات واجتهادات دستورية للقفز فوق نصاب الثلثين تمهيداً للمجيء برئيس يكمل دورة الانقلاب على التوازنات والمعادلات في التركيبة اللبنانية، فإن المعارضة طرحت في المقابل انتخاب الرئيس الجديد مباشرة من الشعب أو الاحتكام اليه من خلال انتخابات نيابية مبكرة، وهكذا بات البلد محكوماً بمطلبين متوازيين لكل من المعارضة والموالاة وكبديل عن ثنائية المحكمة والحكومة التي اختصرت الصراع السياسي على امتداد ستة أشهر، من دون أن تفلح كل المبادرات والحوارات في إيجاد حلٍ لها. واذا كانت المعارضة ترى في مطلبها علاجاً للأزمة السياسية والدستورية والحكومة فإن الموالاة ترى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيكون محطة مفصليّة ونقطة تحول في مجرى الأوضاع، فإما أن يمثّل مدخلاً الى الحل او مدخلاً إلى مزيد من التأزم والتعقيد وتعدد المرجعيات والرئاسات، وفي المقلبين لبنان أمام اختبار مثير وخطير نظراً الى تباعد الرؤى والطروحات وإصرار كل طرف على التمسك بخياراته وخططه. ولم يعد سراً أن فريق السلطة يرفض بالمطلق انتخاب رئيس جديد مباشر من الشعب ويرى أنه انقلاب على الطائف وضرب للتوازن ومساس بالدستور كما يرفض الانتخابات النيابية المبكرة وهو يتمتع بالأكثرية ومن حقه رفض المغامرة وعدم التنازل عن التحكم باللعبة السياسية، في حين أن المعارضة ترى أن هذه الأكثرية إنما جاءت نتيجة تحايل وفي ظل قانون ظالم للانتخابات ووفق تحالفات جرى الانقلاب عليها، كما استُخدم في العملية الانتخابية المال السياسي والشحن الطائفي مما رجح كفة على أخرى. أما آلية الانتخابات الرئاسية فالموالاة تعلن بدون مواربة أنها تفضل اكتمال النصاب بالثلثين، واذا تعذر ذلك فالضرورات تبيح المحظورات وعندئذ سيلتئم المجلس من دون الثلثين وينتخب الرئيس بالأكثرية المطلقة، فيما تحذر المعارضة من اللجوء الى هذه الخطوة المخالفة للدستور وتقول إنها تمتلك خيارات بديلة وعندئذ سيقع الجميع في المحظور الذي حذر منه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ومسؤولون عرب واجانب، فيصبح للبنان رئيسان وحكومتان وربما مجلسان نيابيان.
على أن هذه الخشية التي يعبر عنها كثيرون هي التي تدفع بمرجع سياسي الى التفاؤل بإمكان الوصول الى حل قبل الوصول الى الاستحقاق الرئاسي، ويعرب هذا المرجع عن قناعته بأن الكل سواء في الموالاة او المعارضة لا يريد الذهاب بعيداً في مواقفه لأنه يدرك أن مخالفة الدستور وإجراء الانتخابات خارج الإطار الدستوري هو خروج عن اتفاق الطائف الأمر الذي يؤدي الى مخاطر كبيرة على البلاد، من هنا رهانه على وعي القيادات السياسية وتقديرها أن إعادة تكوين السلطة لا يتم إلا من خلال التفاهم على رئيس جديد للبلاد يكون الحاكم والحَكَم بين الفرقاء وعلى مسافة واحدة منهم، وبغير ذلك يتعذر حصول الانتخابات الرئاسية، وهذا ما سيدفع بالوضع الى مزيد من التفاقم والانقسامات والشرذمة.
ومع هذه الصورة التي لا تعطي الانطباع بأن الأفق مفتوح على حلول وتسويات فإن العاملين على خط الأزمة اللبنانية من وسطاء ودبلوماسيين عرب ينصحون القوى السياسية بقراءة الوقائع والأحداث التي تجري في المنطقة ويتوقفون أمام مؤتمر شرم الشيخ ويرون أنه محطة مهمة ومفرق مفصلي، على نتائجه تتوقف أمور كثيرة، خصوصاً أن بداياته عكست تطوراً مهماً تمثل في لقاءات جرت بين وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ونظيريها الايراني منوشهر متكي والسوري وليد المعلم، ما يؤشر إلى فتح العلاقة بين هذه الدول على أفق مستقبلي جديد ستكون له تداعياته على مجمل أزمات المنطقة، وبينها لبنان، وعلى قاعدة الحاجة المتبادلة والتسليم بمصالح جميع اللاعبين الأساسيين في المنطقة.
ويقول هؤلاء: «صحيح أن مؤتمر شرم الشيخ مخصّص للملف العراقي، لكن مفاعيله وتأثيراته تتجاوزه لتطال أوضاع المنطقة وقضاياها الساخنة بما في ذلك أزمة لبنان بعدما تحولت ساحة هذا البلد الى واحدة من ساحات المواجهة بين أميركا وكل من إيران وسوريا».
وبطبيعة الحال ليس في التصور أن يخرج المؤتمر بنتائج صاعقة تفتح باب الخروج من الأزمات دفعة واحدة، لكن المؤتمر بكواليسه وما جرى من تفاهمات على هامشه يمكن أن يؤسس لمسارات تنفّس حال الاحتقان وتجنّب المنطقة اندلاع حرائق انطلاقاً من العراق، وتفتح نوافذ على الحوار كانت مغلقة، وهذا هو الطريق الأسلم للوصول الى حلول وتسويات حقيقية لأزمات المنطقة.