جوان فرشخ بجالي
يستقبل متحف الجامعة الأميركية في بيروت منذ أشهر زوّاره فـي حـلّته الجديدة بعد عملية إعادة تأهيل وصلت كلفتها إلى 1.5 مليون دولار أميركي. وتعطي طريقة العرض التي اعتمدها القيّمون هويةً للمتحف لأنها اعتمدت التسلسل الزمني والمجموعات، ما يسهّل على الزائر فهم الحقبة التاريخية التي تكشف عنها هذه الآثار


تماثيل من تدمر، فخاريات من قبرص، فسيفساء من بيروت، صكوك من العراق... 4 آلاف قطعة أثرية معروضة اليوم في قاعات متحف الجامعة الأميركية الذي أُعيد تأهيله منذ أشهر. قطع تروي تاريخ كل الشرق القديم وتطور الحضارات فيه منذ العصر الحجري إلى الفترة الإسلامية.
تتميز هذه المجموعة من القطع الأثرية بغناها من جهة، واختلاف دول منشئها من جهة أخرى. إذ لم يُعثر على مجملها خلال حفريات أثرية علمية، بل عبر المقايضة والشراء والهبات. وهي بالتالي قطعة فنية منفردة لا تخبر عن قصة مدينة أو حضارة ما، بل تدخل في الصورة الأوسع لتاريخ الحضارات.
تتعدد طرق عرض القطع الأثرية. فمنها ما يعتمد التسلسل الزمني أو التوزيع الجغرافي أو حتى نوع القطع. وعادة يختار أمين المتحف طريقة واحدة للعرض يراها الأنسب فيستخدمها. ولكن أمينة متحف الجامعة الأميركية الدكتورة ليلى بدر ارتأت اعتماد مبدأين في العرض يقدّمان التصوّر الضروري لفهم المجموعة التي يمتلكها المتحفتوضح بدر «أعتقد أن رؤية القطع في مراحلها التاريخية أي بحسب التسلسل الزمني تخوّل الزائر فهم تطور الحضارات، بيد أن عرضها في مجموعات «تدمج» القطع بحسب موضوعها يحوّل القطعة إلى جزء من فكرة ما: إيمان أو عادة كانت تعيشها الشعوب القديمة. وحينما تعرض كل هذه القطع سوية يتضح كيف تطورت المفاهيم عبر الزمن، ما يسمح له بالقيام بمقاربات لفهم أهميتها. وهذا ما دفعنا الى اعتماد طريقتين للعرض: الأولى بحسب التسلسل الزمني، أما الثانية فهي بحسب المجموعات».
مزيج الطريقتين يعطي للمتحف هويته. وعندما يدخله الزائر، تقود المعروضات في الواجهات خطواته عبر القاعات. فهي سهلة الفهم، واضحة، وخصوصاً أن الرسوم المستعملة في خلفية الواجهات تشرح الاستعمال التاريخي للقطع المعروضة بشكل سهل، جميل، وفيه شيء من الطرافة في مشاهد الصيد، والتجارة.
وما يميز هذا المتحف هو اعتماد تسمية «الحضارة الفينيقية» لفترة العصر الحديد، وإبراز الدور الحقيقي لهذا الشعب في تاريخ الحضارات.
في هذا الإطار تشرح الدكتورة بدر: «يجهل الناس ما هي الإضافة التي أعطتها الحضارة الفينيقية للبشرية جمعاء، فتبدأ المزايدة. يقول البعض إن الزجاج اكتشف هنا. وهذا غير صحيح علمياً لأن الحضارتين الفرعونية والسومرية استخدمتا الزجاج، لكن الفينيقيين اكتشفوا الزجاج المنفوخ. ويقول البعض الآخر إنهم اكتشفوا الكتابة، وهذا أيضاً غير صحيح، فهي ولدت عند السومريين، ولكن الفينيقيين اكتشفوا الأبجدية الصوتية أي إن كل حرف يجسّد صوتاً، وهو ما نستعمله اليوم».
دور الفينيقيين هو بالتحديد ما يفهمه الزائر حينما يتمعّن في المجموعات التي تجسد فكرة ما. فحينما ينظر إلى خزائن «التجارة» يعي جيداً أن الفينيقيين لم يكونوا أول من ركب البحر ولكنهم توسعوا في أرجاء البحر الأبيض المتوسط وطوّروا تجارتهم التي بدأت مع مصر الفرعونية ومنها الى بقية المدن.

إعادة التأهيل

تطلّبت إعادة تأهيل المتحف والبحث في طريقة عرض القطع مجهوداً كبيراً امتد لست سنوات. فهو من أول المتاحف في الشرق الأوسط بعد متحفيْ القاهرة وإسطنبول، ويفوق عدد القطع الأثرية التي يمتلكها 10 آلاف. وكانت عملية جمعها بدأت في أوائل القرن الماضي بعدما وهب القنصل الأميركي في قبرص، الجنرال شزنولا، مجموعته من الفخار الملوّن والمزيّن إلى الجامعة الأميركية في بيروتومع مرور الزمن، تزايدت الهبات وبدأ العمل الجدي لإنشاء متحف، فانكبّ المسؤولون على شراء القطع والمقايضة مع المتاحف الأخرى. هكذا تكوّنت المجموعة وعاش المتحف الذي أصبحت له مع مرور السنين مكانة عالية في حياة بيروت الثقافية، وبات ملتقى محبّي التاريخ والحضارات. لذا كانت عملية إعادة تأهيله ضرورية إذ يجب أن يتماشى مع أحدث تقنيات عرض القطع، فبدأ رصد الأموال، وارتفعت كلفة المشروع النهائية إلى 1.5 مليون دولار أميركي، جمعها المتحف من الهبات ومن رابطة أصدقاء متحف الجامعة الأميركية.
خلال عملية إعادة التأهيل، حاولت المهندسة ندى زيني خوري توفير مساحة أكبر للعرض دون إجراء أي تغيير في الشكل الهندسي للقاعات. فأضافت طابقاً علوياً فوق قاعة العرض الكبرى. واستعملت اللون الأبيض للجدران الذي يلتقي عند الزوايا الخشبية باللون البني وعند لوائح الشروحات باللون البرتقالي الباهت، فيخلقون جواً دافئاً راقياً.
ولكن ما ينقص في المتحف هو العدسات المكبرة المتحركة التي تضاف الى الخزائن التي تخوّل الزائر رؤية تفاصيل القطع الصغيرة وإتمام «اكتشافه الشخصي» الذي يخلق رابطاً حسياً وصيغة فاعلة بينه وبين الماضي. ولكن ذلك لا يقلّص من سهولة فهم التاريخ والحضارات، وخاصة للأطفال، فطريقة العرض تعليمية إرشادية بامتياز.




محاضرات «المركز الفرنسي للشرق الأوسط»

بدأت الأربعاء الفائت في «المركز الثقافي الفرنسي» سلسلة محاضرات عن الآثار في لبنان من تنظيم مكتب الآثار في «المركز الفرنسي للدراسات في الشرق الأوسط». ويأتي هذا النشاط الذي يمتد على ثلاثة أسابيع، كل أربعاء، تحت عنوان «Les Doctoriales» أو «رسالات الدراسات العليا».
تشرح الدكتورة جنين عبد المسيح المسؤولة عن هذا اللقاء أن الهدف من هذه المحاضرات هو «تسليط الضوء على الدراسات الجديدة التي يقوم بها علماء آثار لبنانيون أو غربيون عن المواقع الأثرية في المنطقة، ومن جهة ثانية إعطاء طلاب الدراسات العليا ساحة علمية لطرح إشكالية أعمالهم ومناقشتها».
وكان اللقاء الأول لهذا العام مع الدكتور جان ياسمين، فعرض ملخّصاً عن أطروحته التي تحمل عنوان «معابد القرى في الفترة الرومانية في البقاع: حصن نيحا». وقد أتمّ ياسمين دراسة الموقع الذي يقع في «خبايا» السهل والذي يتميز بمعبده الروماني. وأظهرت دراسة الموقع كيف استخدم البنّاؤون حجارة اقتلعوها من الجبال المجاورة للمعبد، وكيف اعتمدوا الشكل الهندسي الروماني المحض الذي يحاول أن يصل الى «الكمال» في علم الهندسة. وكذلك درس ياسمين الموقع الذي يحتضن داخل جدرانه المحصّنة المعبد الكبير، ومعبداً آخر أصغر منه حجماً، بالإضافة إلى كنيسة أُضيفت في الحقبة البيزنطية إلى المعبدين لتكرّس ديانة الإمبرطورية الجديدة.
أما المحاضرة الثانية، فعرضت فيها الدكتورة جنين عبد المسيح ملخّصاً عن أعمال بعثة الجامعة اللبنانية الأثرية التي ترأسها وتديرها في موقع سيروس في سوريا. والجدير بالذكر أن هذه البعثة هي الأولى التي تعمل تحت اسم الجامعة اللبنانية، ولكن تمويل الدراسة يتّكل على الهبات والتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.
وتقول الدكتورة عبد المسيح إن هذا الموقع «بُني في الفترة الهلنستية وأصبح في الفترة الرومانية البيزنطية مدينة قوية متمادية الأطراف».
يُذكر أن مدينة سيروس تقع قرب مدينة عفرين عند الحدود السورية التركية في أرض زراعية خصبة، اشتهرت تاريخياً بأنها طريق القوافل المحمّلة بالبضائع والمتنقّلة بين أنطاكيا والمدن الممتدة على نهر الفرات وبقية المدن التركية. وعرفت سيروس خلال فترة ازدهارها عملية امتداد عمراني ضخم: فقد بنى الأباطرة داخل أسوارها معابد ومسرحاً كبيراً وطرقاً معبّدة... فهي تتمتع بكل مقوّمات المدينة.

  • الموعد الثاني لـDoctoriales هو نهار الأربعاء المقبل الواقع فيه 9 أيار عند الساعة السادسة مساءً في قاعة المحاضرات في المركز الثقافي الفرنسي. وستكون المحاضرة الأولى لعلياء فارس عن «معبد عين عكرين، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً»، أما المحاضرة الثانية فهي عن «التحصينات الدفاعية في بعلبك في القرون الوسطى»، وسيلقيها المهندس خالد الرفاعي.




    غزة في سويسرا


    افتُتح في متحف جنيف للفن والتاريخ معرض لآثار مدينة غزة الفلسطينية التي يمتد تاريخها الى 5 آلاف سنة. يتألف المعرض من 500 تحفة أثرية تُظهر مختلف الحقبات التاريخية التي عرفتها تلك المدينة. وأوضح منظّم المعرض مارك إندي هاليدمان أن «هذا هو الهدف من المعرض، لأن الأحداث الدموية تطغى بشكل كامل على الأهمية التاريخية لهذه المدينة».
    وقد نظّم المتحف هذا المعرض بعدما أقرضته السلطة الفلسطينية قسماً من التحف، أما القسم الآخر فمصدره المجموعات الخاصة. والجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من تلك القطع يُعرض للمرة الأولى مثل أوانٍ مصقولة بحجر المرمر الثمين جداً، وتمثال روماني للآلهة عشتروت، وقطعة فسيفساء كاملة من القرن السادس الميلادي. وكانت غزة عاشت ازدهاراً اقتصادياًً كبيراً في الفترة البيزنطية، فكانت لها نقود باسمها وكان نبيذها يُصدّر إلى مجمل أنحاء الإمبراطورية، وخاصة الى أوروبا، وحتى إنه وصل الى جنيف نفسها كما يؤكد المؤرخون.
    ما تجدر الإشارة إليه أن إقامة هذا المعرض في سويسرا هي نقطة انطلاق لمشروع أكبر وطموح أكثر. فمع دعم من اليونسكو، سيُعمل على نقل كل القطع الى غزة حيث ستُعرض في متحف سيُنشأ على شاطئ مرفأ المدينة القديم. يقول هيلدمان «إن المتحف سيُبنى في ذلك الموقع القديم لكي يشعر الزائر بتاريخ المدينة العريق».
    ويشكل إنشاء هذا المتحف حلماً لرجل الأعمال الفلسطيني جودة خودري، هاوي جمع القطع الأثرية الفلسطينية والذي أعار المعرض قسماً من مجموعته. يقول خودري «عدد كبير من الفلسطينيين لا يدركون أهمية غزة التاريخية. لذا سيكون إنشاء المتحف إيجابياً جداً لأنهم سيدركون امتداد الحضارات على أرضهم، وسيصبح في إمكان أطفال غزة زيارة المتاحف، مثلهم مثل كل أطفال العالم».
    (الوكالات وB.B.C)