«عم طوّل بالي كرمال البنات»، تتكلم حياة (اسم مستعار) من على سرير المستشفى، حيث تقبع منذ ليل الخميس الفائت، بعد تعرضها لكسور في ظهرها وساقها اليمنى سببت لها شللاً مؤقتاً، بحسب الطبيب المعالج. تتهم حياة زوجها برميها من على شرفة المنزل في الطابق الثاني، وبضربها بـ«شلف» حديدي. أما الزوج، فموقوف في المخفر على ذمة التحقيق، بعدما أبلغ والدها القوى الأمنية بالأمر، منذ أن نقلت إلى المستشفى. من جهة أخرى، لا ينكر أهل الزوج أنه يتعرض لزوجته بالضربمن الناحية الطبية، بناءً على الكشف الطبي الذي أجراه طبيب العظم في المستشفى على حالة حياة، «تبين أنها تعرضت لكسر في ساقها اليمنى، ولكسر في الساق اليسرى، ما استوجب تركيب جهاز تثبيت خارجي مؤقت لها لاحتمال حصول مضاعفات، وبالتالي احتمال إجراء عمليات جراحية خلال الأشهر المقبلة». أضف إلى ذلك «حصول كسر في الظهر، ما استدعى تركيب براغٍ وسيخ فيه، كما جرى تحليل لدودة الظهر، ولا سيما أنها تعاني شللاً مؤقتاً». وتجدر الإشارة إلى أن هذه المرة لم تكن الأولى التي تدخل فيها حياة إلى المستشفى بسبب إصابتها بجروح جرّّاء العنف المنزلي، فقد ذكرت أنها دخلت المستشفى عدة مرات خلال السنوات السبع الأخيرة للمعالجة. وتقول حياة إن التعنيف الذي تتهم زوجها به كان علنياً أحياناً. «فقد تجرأ مرة على ضربي في ساحة البلدة، ما أدى إلى توقيفه في المخفر»، وفي تفاصيل الحادث الأخير، تقول حياة إن ليلة الخميس الفائت شهدت عنفاً «لم يكتف خلاله زوجي بضربي، بل رماني من على شرفة المنزل»، وعلى الأثر، نقلت إلى المستشفى، وما لبثت أن أخضعت لعملية جراحية طارئة.
حياة في بداية العقد الخامس من العمر، وأم لأربع بنات. تقول إن زوجها الذي يعمل «بلاطاً» اعتاد ضربها «كل يومين مرة تقريباً»، إلا أنها كانت تتحمل ما يحصل لها، «حفاظاً على بناتها الأربع اللواتي لا يسلمن من العنف أيضاً». وتروي أن «العنف كان مستمراً، وازداد منذ سنتين، فلجأت إلى المحكمة الروحية للاستحصال على طلاق، إلا أن سعاة الخير توسطوا بين الزوجين»، وأعادوها إلى منزل الزوجية، لكن «استمر العنف بشكل مضاعف». وتقول إنها كلما طلبت الطلاق من زوجها، كانت تصطدم بعقبة تهديده بحرمانها من بناتها اللاتي لم يبلغن سن الرشد، واللاتي تتفاوت أعمارهن بين التاسعة والخامسة عشرة.
محاولات التخلص من أزمتها هذه، كانت تلقى دعماً من أهلها الذين أبدوا استعدادهم لاستقبالها في دارهم، بينما يستنكر أهل الزوج تصرفاته.
حياة تعمل في إنتاج الأشغال اليدوية الحرفية، تقول إنها المعيلة الدائمة لعائلتها في ظل ظروف عمل زوجها المتقطع، ولا سيما «أن الدخل الذي يجنيه يصرفه على الكحول بدلاً من إعالتنا». وتتهم زوجها باغتصابها وإجبارها على ممارسة الجنس بطرق تراها مهينة، «وإن لم أفعل يضربني ويهددني، وفي حال حصولها فإنها تحصل بشكل همجي وعنيف». وتقول حياة «إن لجوءه إلى العلاقات المتعددة خارج إطار الزواج سببه عدم تجاوبي مع متطلباته الجنسية». وسبب «جنون الزوج» أخيراً هو بحسبها «رفضي استقبال صاحبته في المنزل».
يُجمع متخصصون اجتماعيون على أن حالة حياة هي واحدة من حالات متعددة تحصل من دون الكشف عن تفاصيلها أمام المراجع الطبية والقانونية المختصة بسبب التكتّم الاجتماعي، وخصوصاً في المناطق الريفية.
أما القانون اللبناني فلا يحوي نصاً خاصاً بالعنف ضد النساء باستثناء العنف الجنسي، أي الاغتصاب، الذي أوجد مخرجاً قانونياً للمعنِّف. فالمادة 514 من قانون العقوبات اللبناني تحكم بالسجن على من يقدم على خطف فتاة أو امرأة بالخداع أو الإكراه، إلا أن المادة 522 أوجدت للجاني وسيلة للنفاذ من العقاب، حيث نصت على أنه في حال عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم والمعتدى عليها، توقف الملاحقة. فضلاً عن صعوبة حصول المرأة المعنفة على تقرير طبي من طبيب شرعي لارتفاع كلفته وعدم قدرة المعنفة أحياناً على مغادرة المنزل إذا أرادت إثبات واقعة الضرب والإيذاء.
كما يسجّل عدم معرفة المرأة للأصول الواجب اتباعها لتقديم الشكوى لدى مخفر الدرك خلال 24 ساعة أو لدى النيابة العامة الاستئنافية، بالإضافة إلى الضغوط والتهديدات التي قد تتعرض لها النساء المعنّفات وتدفع بهن إلى التراجع عن شكوى سبق وتقدمن بها ضد أزواجهن. وأخيراً عدم وجود مأوى يلجأنَ إليه عند إفلاتهن من عنف الزوج أو بعد تقديمهن شكوى قضائية.
(الأخبار)
«الأخبار» ستتابع هذه الحالة وستضع تفاصيلها بمتناول الجمعيات الاهلية التي ترغب بمتابعتها.